رأي

ترامب يخفض التصعيد مع الصين.. فما سلاح بكين السري ضد واشنطن؟

كتب نيك مارتن في صحيفة DW.

بعد أشهر من عزلتة الصين تجاريًا من وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت الآن محور أهتمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة ضبط العلاقات وتجنب دوامة جديدة من الرسوم الجمركية. ففي نيسان/أبريل الماضي، وصف ترامب الصين بأنَّها “أكبر تهديد لأمريكا” وقال إنها “خدعت” لعقود من الزمن أكبر اقتصاد في العالم. وبعد ذلك فرض على البضائع الصينية رسومًا جمركية باهظة بنسبة 145 بالمائة.

وبعد أشهر قليلة فقط، تغيرت لهجة ترامب، ومدَّد تعليق فرض الرسوم الجمركية على الصين، وأشاد بالرئيس الصيني شي جين بينغ بوصفه “قائدًا قويًا”، وطرح فكرة عقد قمة أمريكية صينية في الخريف. وفي الوقت نفسه يجب على دول مثل الهند والبرازيل الآن توقع أعلى العقوبات – رسوم جمركية تصل حتى 50 بالمائة، بينما تم تحديد الجمارك المفروضة على الصين بنسبة معتدلة تبلغ 30 بالمائة.

وترامب يتساهل قليلًا مع الصين لعدة أسباب: فهو يريد تجنّب زيادة الرسوم الجمركية – وخاصة الآن مع بدء تجار التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية باستيراد الواردات الصينية لفترة عيد الميلاد المهمة. وبالإضافة إلى ذلك فهو يكسب الوقت للمفاوضات حول اتفاقية تجارية أكثر شمولًا، قد تشمل أيضًا التكنولوجيا والطاقة والمعادن النادرة.

وبما أنَّ الصين هي البلد الوحيد الذي يعارض بشدة سياسة واشنطن العدوانية يعتقد أنطونيو فاتاس، أستاذ الاقتصاد في كلية إنسياد INSEAD لإدارة الأعمال، أنَّ استراتيجية بكين قد تكون أوقعت ترامب في صعوبات. وفي هذا الصدد قال لـDW: “لقد كان واضحًا منذ البداية أنَّ الصين مستعدة أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية لحرب تجارية شاملة، سيكون لها عواقب اقتصادية لا تستطيع إدارة ترامب تحمّلها”.

سلاح الصين السري

وأقوى ورقة لدى بكين في المقامرة التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية هي هيمنتها على ما يعرف باسم المعادن النادرة، التي لا يمكن الاستغناء عنها في إنتاج السيارات الكهربائية وحتى أنظمة توجيه الصواريخ. وهذه المعادن النادرة أصبحت عاملًا حاسمًا في النزاع التجاري، وذلك بسبب اعتماد الصناعة الأمريكية على استيرادها من الصين.

وعندما أعلن ترامب في نيسان/أبريل عن رسوم جمركية مروّعة، فرضت الصين، التي تسيطر على نحو 60 بالمائة من إنتاج المعادن النادرة في العالم ونحو 90 بالمائة من تكريرها، ضوابط تصدير على سبعة معادن نادرة وما يعرف باسم المغناطيس الدائم. وقد أثّر ذلك بشدة على الصناعة الأمريكية، بما فيها صناعة السيارات أيضًا.

بينما تُصر واشنطن على فرض قيود أكثر تشددًا على حصول الصين على رقائق الذكاء الاصطناعي، وتضغط في الوقت نفسه على بكين من أجل خفض وارداتها من النفط الروسي.

وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ ترامب يدفع الصين لزيادة مشترياتها من فول الصويا الأمريكي بنسبة أربعة أضعاف – وهذا مهم للمزارعين الأمريكيين ويساهم من وجهة نظر ترامب في تحقيق توازن في الميزان التجاري بين القوتين العالميتين. علمًا بأنَّ العجز التجاري الأمريكي مع الصين بلغ العام الماضي نحو 254 مليار و5 مائة مليون يورو.

والصين تسعى في المقابل إلى خفض دائم للرسوم الجمركية الأمريكية، وخاصة في قطاعي التكنولوجيا والتصنيع. وتريد بالإضافة إلى ذلك حماية الشركات الصينية من العقوبات الأمريكية والالتزام بحصولها على أحدث الرقائق الأمريكية.

“ترامب لديه ما يكفي من التحديات”

وذكرت الخبيرة الاقتصادية أليسيا غارسيا هيريرو، من مركز بروغل البحثي في بروكسل، العديد من التحديات التجارية والداخلية والجيوسياسية التي يواجهها ترامب – مثل محادثات السلام مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا يوم الجمعة – كأسباب إضافية لمنحه الصين مجال أوسع.

وحول ذلك قالت لـDW: “ترامب لديه ما يكفي من التحديات، ولا يوجد أمامه خيار آخر سوى منحه الصين وقتا أطول من الدول الأخرى”. وبعد أن تم الآن تمديد هدنة الرسوم الجمركية حتى بداية تشرين الثاني/نوفمبر، أصبح بإمكان المفاوضين التركيز على المواضيع الأكثر إثارة للجدل.

ويجب التركيز قبل كل شيء على تجنب العودة إلى الرسوم الجمركية المكونة من ثلاثة أرقام ( 145 بالمائة) على السلع الصينية و125 بالمائة على الصادرات الأمريكية. ويتفق الطرفان على أنَّ مثل هذه الخطوة ستكون ضارة اقتصاديًا. وما يزال متوسط معدل التعرفة الجمركية الحالي في الصين والبالغ 30 بالمائة أعلى بكثير مما هو عليه في معظم الدول الأخرى. وصادرات الصين من النحاس والصلب إلى الولايات المتحدة الأمريكية تخضع لرسوم جمركية بنسبة 50 بالمائة.

ترامب ينقلب على الهند

وبينما تحصل الصين على وقت إضافي، تحولت الهند بسرعة من شريك تجاري مفضل في بداية ولاية ترامب الثانية إلى شريك منبوذ. إذ تواجه الهند الآن تعرفة جمركية عقابية تصل إلى 50 بالمائة – 25 بالمائة على السلع العامة، ومؤخرًا 25 بالمائة أخرى بسبب استمرار الهند في استيراد النفط الروسي. ومن المفترض أن تدخل هذه الرسوم الجمركية حيز التنفيذ في 27 آب/أغسطس.

ويلاحظ أنطونيو فاتاس من كلية إنسياد أنَّ “الهند لا تملك قوة الصين الاقتصادية ولا الصادرات الحاسمة من أجل الصناعة في الولايات المتحدة الأمريكية للإضرار بالاقتصاد الأمريكي”. وينصح نيودلهي بالتعاون مع حلفائها من أجل التوصّل بشكل مشترك إلى تعرفة جمركية أفضل.

والهند لا تملك على أية حال ما يكفي من المعادن النادرة:

ومع أنَّ الصين تبدو صاحبة اليد العليا في المفاوضات، ولكن حذّر هان شين لين، وهو خبير في شركة الاستشارات الاستراتيجية “مجموعة آسيا”، من الغرور على الجانب الصيني. وقال إنَّ ميل ترامب للفوضى يفسح المجال لمناورات غير متوقعة: “يجب علينا ألا نقلل من قدرة الولايات المتحدة على إحداث صدمة أكبر في المفاوضات”، كما قال لوكالة رويترز للأنباء. ويعتق هان شين أنَّ “نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر سوق استهلاكي في العالم سيكون عاملًا يدفع الدول الأخرى إلى إعادة التفكير بحذر”.

“على حساب الاتحاد الأوروبي”

ورغم لهجته الأكثر ليونة، يواصل ترامب الضغط على الصين بطرق أخرى. ولذلك فقد قام المصدرون الصينيون بتحويل سلع محددة للولايات المتحدة الأمريكية عبر دول جنوب شرق آسيا، وخاصة عبر فيتنام وماليزيا وتايلاند. وذلك بهدف إخفاء مصدرها وتجنّب الرسوم الجمركية الأمريكية المباشرة.

ردًا على ذلك فرض ترامب رسومًا جمركية شاملة بنسبة 40 بالمائة على جميع الدول المشتبه في تسهيلها تحويل البضائع الصينية. وهذه الرسوم دخلت حيز التنفيذ الأسبوع الماضي.

وبما أنَّ المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين من المتوقع أن تستمر حتى الموعد النهائي، فإن غارسيا هيريرو، التي تعتبر أيضًا كبيرة الاقتصاديين في بنك الاستثمار الفرنسي ناتيكسيس، تتوقع حدوث انفراج جزئي في التوترات التجارية. وتقول إنَّ هذا يفيد الشركات الأمريكية ولكنه يستبعد حلفاء مهمين.

وفي هذا الصدد قالت لـDW: “على الأرجح أن نشهد حركة سواء في ضوابط تصدير الرقائق عالية الجودة من الجانب الأمريكي أو في ضوابط تصدير المعادن النادرة من جانب”. وأضافت: “على المرجح أن تُفرض على اللصين تعرفة جمركية [أساسية] أقل، وأن تتمكن الشركات الأمريكية من الوصول بشكل أفضل إلى السوق الصينية، وذلك على حساب الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية واليابان”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى