أبرزرأي

ترامب ومخاطر العودة بعقلية الانتقام

كتب بندر الدوشي, في “العربية”:

قبل توليه السلطة نجح الرئيس المنتخب دونالد ترامب في مقاضاة شبكة ABC الأميركية والحصول على تعويض بقيمة 15 مليون دولار بسبب دعوى تشهير رفعها ضد الشبكة والمذيع جورج ستيفانوبولوس. ونشأت الدعوى القضائية من التعليقات التي أدلى بها الإعلامي ستيفانوبولوس خلال مقطع في 10 مارس 2024 في برنامج “هذا الأسبوع” حيث ذكر بشكل غير دقيق أن ترامب “ثبتت مسؤوليته عن الاغتصاب” في القضية المدنية التي تورط فيها ضد الكاتبة إي جان كارول. وهو ما أساء تفسير الأحكام الصادرة عن دعاوى كارول. حيث وجدت هيئة المحلفين أن ترامب مسؤول عن الاعتداء الجنسي والتشهير، ولكن ليس عن الاغتصاب كما هو محدد بموجب قانون نيويورك. ووافقت ABC على دفع 15 مليون دولار لمكتبة ترامب الرئاسية المستقبلية كجزء من التسوية، والتي وصفت بأنها “مساهمة خيرية”. بالإضافة إلى ذلك، وافقت ABC على دفع مليون دولار كرسوم قانونية لمحامي ترامب، وأعربت علنًا عن أسفها لتصريحات ستيفانوبولوس.

وبعد التسوية شن النشطاء الديمقراطين هجوما واسعا على الشبكة لركوعها وخضوعها لترامب لكن الشبكة كان لها رأي آخر ولديها مبررات، وتشير المصادر الداخلية إلى أن الشبكة كانت قلقة بشأن سمعتها على المدى الطويل حيث لجأت للتسوية لمنع الكشف عن اتصالات داخلية محرجة أو ضارة محتملة لـ ABC، على غرار ما حدث في دعاوى إعلامية أخرى رفيعة المستوى. كما أن التسوية ستجنب التقاضي المطول وربما أرادت ABC والشركة الأم ديزني، تجنب التكاليف والوقت والدعاية السلبية للمحاكمة الكاملة، خاصة مع رئاسة ترامب القادمة أو رئيس الولايات المتحدة الأميركية.

لكن الغضب بشأن التسوية لديه ما يبرره، حيث يعتقد المنتقدون أن شبكة ABC كانت حذرة أو خائفة، وأن التسوية قد تشكل سابقة لوسائل الإعلام في مواقف مماثلة وتضعف موقفهم في مواجهتهم المرتقبة مع ترامب.

وفي وجهة نظري أنه لن يكون أخطر على رئاسة ترامب من دخوله البيت الأبيض وفي عقليته غريزة الانتقام. صحيح أن الغالبية من الناخبين تتفهم تماما ما تعرض له ترامب من هذه الشبكات الإعلامية وربما تتعاطف معه لكن ترامب ليس وحده، ومنصب كرسي الرئاسة في أميركا ثمنه غال جدا، فكل الرؤساء الأميركيين السابقين تعرضوا للظلم والإهانة والتشهير والإساءة وحتى إنهاء مسيرتهم، كما فعلت الواشنطن بوست بالرئيس ريتشارد نيكسون!

ومازال الرئيس بيل كلينتون يتعرض لسكاكين الصحافة بسبب فضيحته الجنسية مع مونيكا، وكان آخرها في مقابلته مع شبكة ABC نيوز قبل أسابيع والتي زعم فيها أنه اعتذر لها كضحية لكن الصحافيين أعلنوا عن عدم دقة كلامه ولم يعتذر!

أما أوباما فكان يشتكي في أحاديثه الخاصة أثناء رئاسته من شون هنيتي مذيع الفوكس نيوز، وعبر مؤخرا عن استيائه من انتشار وسائل الإعلام والمنافذ اليمينية التي تشوه صورته وموقعه داخل الحزب والعائلة، وتنشر الأكاذيب ونظريات المؤامرة ضده ولم تسلم حتى زوجته وعائلته.

وماذا عن بايدن الذي خرج عن طوره وشتم بيتر دوسي مراسل الفوكس نيوز أمام الجميع في المؤتمر الصحافي حيث كان دوسي متحررا من قيود المجمع الإعلامي السياسي الواقع تحت تأثير الديمقراطيين، ووجه لبايدن أصعب وأتعس الأسئلة عليه بشكل متكرر خصوصا فيما يتعلق بعائلته، بخلاف نجله هانتر الذي تعرض لحملة يمينية فضائحية كبرى وغير مسبوقة. وماذا عن جورج بوش الأب والابن؟ والحديث هنا يطول.

نعم، كانت هناك حالات سابقة حيث اتخذ رؤساء الولايات المتحدة أو حملاتهم إجراءات قانونية ضد كيانات إعلامية، على الرغم من أنها نادرة نسبيًا بسبب المعايير القانونية والعواقب المترتبة على حماية حرية التعبير. ويضمن التعديل الأول حرية التعبير، لكن هذه الحرية متوازنة مع قوانين التشهير. وعندما يرفع الرؤساء أو الشخصيات البارزة دعاوى قضائية، فإن هذه الدعاوى تدخل في هذا التوازن، حيث غالبًا ما تحمي المحاكم وسائل الإعلام بموجب معايير مرتفعة ما لم تظهر أدلة واضحة خلاف ذلك، وهذا ليس بجديد.

وتاريخيا كل الرؤساء الذين تعرضوا للصحافة منو بنكسات وخسائر كبيرة، والواقع أن الرؤساء من جون آدامز إلى ريتشارد نيكسون استخدموا القوة القانونية والأمنية الصريحة لإسكات منتقديهم، وفقا لظروف سياسية معينة. وكان أول هجوم شامل على الصحافة الحرة في التاريخ الأميركي أثناء إدارة جون آدامز، عندما دفعت التوترات مع فرنسا العديد من زعماء الحزب الفيدرالي الذي ينتمي إليه الرئيس إلى دعم قانون التحريض على الفتنة، الذي صدر في عام 1798، بهدف قمع المعارضة والنقد للحكومة الفيدرالية خلال فترة من انعدام الأمن الوطني. ووصف منافس آدامز، توماس جيفرسون، القانون بأنه إجراء يهدف إلى “قمع صحف المعارضة” وانقلب المواطنون ضد الرئيس. وبدلا من إخافة الصحافيين الجمهوريين، شجعهم القانون على الجرأة. وفي عام 1800 خسر جون آدامز أمام جيفرسون، ليصبح أول رئيس يُطاح به من منصبه. وفي عام 1801، سمح جيفرسون بإنهاء صلاحية قانون التحريض على الفتنة.

وعلى نحو مماثل، برر الرؤساء اللاحقون الذين فرضوا حملات قمع على الصحافة الحرة أفعالهم باعتبارها مسائل تتعلق بالأمن القومي. وكانت هذه هي الحال مع الرئيس أبراهام لينكولن، الذي قمعت إدارته أكثر من 300 صحيفة شمالية على مدار الحرب الأهلية.

وأثناء الحرب العالمية الأولى، وقع الرئيس وودور ويلسون، ونفذت إدارته بقوة، قانونًا جديدًا للتحريض على الفتنة، وتم سجن صحافيين اشتراكيين مثل يوجين ديبس وفيكتور بيرجر لكتابة منشورات مناهضة للحرب.

وحُكم على كاتب افتتاحية بالسجن لمدة ثلاث سنوات لكتابته أن “هذه كانت حرب مورغان وليست حرب الشعب” لزعمه أن ويلسون تواطأ مع أو تم التلاعب به من قبل ممولين مثل جي بي مورغان، الذين روجوا لدخول أميركا في الصراع الأوروبي لتحقيق مكاسب شخصية. وبعد أن تجاوزت الإدارة الحدود بشكل سيئ في استخدامها لقانون التحريض على الفتنة في عام 1920، أسفرت المعارضة الشعبية عن إلغاء القانون وانتخاب الجمهوري وارن هاردينج، الذي وعد “بالعودة إلى الحياة الطبيعية وإلغاء القانون”.

وكان هذا هو النمط أيضًا في أربعينيات القرن العشرين، عندما استشهدت إدارة هاري ترومان بقانون سميث لعام 1940 لاستهداف الأفراد المتهمين بالترويج لأيديولوجيات تخريبية، بما في ذلك الصحافيون المرتبطون بالمنشورات الشيوعية أو اليسارية.

وعندما سعت إدارة نيكسون إلى منع صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست من نشر وثائق البنتاغون التي تتعلق بحرب فيتنام، مستشهدة بمخاوف الأمن القومي، حكمت المحكمة العليا لصالح الصحيفتين، مؤكدة أن الحكومة لا تستطيع منع نشرهما ما لم يثبت أنهما تشكلان تهديداً مباشراً وفورياً للأمن القومي. وكانت هذه القضية قراراً تاريخياً لحرية الصحافة، حيث أكدت على حق الصحافة في نشر مواد ذات مصلحة عامة، حتى لو كانت تنتقد الحكومة.

حاليا، يعلم ترامب أن ما تعرض له من حملات إعلامية ومحاكمات سياسية من خصومه الديمقراطيين هو أحد الأسباب الرئيسية التي دفعته للفوز بالرئاسة مجددا، لكن تكرار أخطاء الديمقراطيين عبر استخدام القضاء ووزارة العدل الأميركية ضد الخصوم سيقضي على مجده وحركته التي توصف بأنها الأعظم على مستوى التاريخ، وسيكون الحساب سريعا جدا وتحديدا في انتخابات 2026 النصفية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى