رأي

ترامب.. وحروب المنطقة

كتبت د. نورة صالح المجيم في صحيفة القبس.

كان من أهم الشعارات الانتخابية لترامب، التي ساهمت بدرجة ما في انتصاره الساحق، هو إنهاء جميع الحروب التي اندلعت خلال ولاية بايدن، وتحديدا الحرب الأوكرانية، والحرب في غزة، وتبعاتها: حرب لبنان، والتصعيد مع إيران.
بادى ذي بدء، لم يكن شعار أو وعد ترامب بإنهاء الحروب مجرّد دعاية انتخابية صاخبة أو كاذبة لمجرد الفوز، بل وعود صادقة، سيعمل جاهداً على تنفيذها، ومرد ذلك ثلاثة أسباب رئيسية: أولهما كراهية ترامب للحروب، لاسيما التي يراها غير مفيدة للمصالح الأمريكية. وثانيها، قطع الطريق أمام أية دعم مالي أمريكي لتلك الحروب، أو تحديداً لأطرافها الموالية لواشنطن. وأخيراً- ولعلّه الأهم – أن تلك الحروب ستشغل ترامب عن أهم ملفين له، وهما التعافي الاقتصادي، والصين. ففي خطابه، الذي ألقاء أمام أنصاره فور الانتصار، لم يذكر بصدد السياسة الخارجية سوى استمرار التصدي للصين. فالجميع في واشنطن متفقون – جمهوريون وديموقراطيون، كتاب، سياسيون، إدارات تنفيذية – على أن مقاومة التحدي الصيني الخطير، يتطلب تكثيف جهود جبارة على كل مستويات القوة والتركيز.

حروب المنطقة بالنسبة لترامب، تختلف كلياً عن أية حروب أخرى، لاسيما الحرب الأوكرانية. فالمتورط الأساسي في حروب المنطقة، وهي تحديداً حرب غزة، وحرب لبنان، هو حليفه الرئيسي إسرائيل. وبالتالي، وهذا هو مربط الفرس الأساسي، أن مفهوم ترامب لإنهاء هذه الحروب سيتسم بنهج أو أسلوب خاص. ترامب صادق وراغب بشدة في إنهاء هذه الحروب – كما ذكرنا سلفاً – لكن مع ذلك، فإنهاء هذه الحروب وفقاً له يعنى ضمان الانتصار لإسرائيل.

أو بجمل أكثر تعبيراً، إنهاء حروب عبر صفقات إذعان، تضمن انتصاراً لإسرائيل، أو تنفيذ كل مطالبها، وكأنها صفقة أمريكية – إسرائيلية من طرف واحد. إذ بالإضافة إلى خبرة ترامب في ولايته الأولى في التعاطي الأحادي تجاه القضية الفلسطينية، بدرت عن ترامب إبان حملته الانتخابية أقاويل متضاربة بشأن حرب غزة، كان مفادها استمرار الدعم لإسرائيل حتى تحقيق جميع أهدافها. إذ رغم مطالبته لإسرائيل بإنهاء حرب غزة في أسرع وقت، أيد في الوقت نفسه حق أو «مهمة» إسرائيل في القضاء على حماس «الإرهابية» بحسب تعبيره. بل والأكثر من ذلك، قد طالب أو دافع عن حق إسرائيل في ضرب المنشآت النووية الإيرانية.

وانعكاس ما سبق على حرب غزة أو تعاطي ترامب معها، هو البدء بالضغط الشديد على «حماس» وأطرافها الداعمة لقبول صفقة تبادل أسرى سريعة غير مشروطة، ثم المطالبة بطرد «حماس» من غزة أو إنهاء حكمها، وتولي حكومة موالية للولايات المتحدة، بجانب ذلك بالقطع مطالبة «حماس» وداعميها بإيقاف جميع الهجمات أو مقاومة إسرائيل. ونظن أن إسرائيل ستتناغم مع هذه المطالب، التي تعني لها الانتصار الساحق. أما عدا ذلك، أو في حال رفض هذه المطالب، سيواصل ترامب دعمه التام لاستمرار الحرب في غزة. وهنا وجوب الإشارة إلى أن ترامب لديه من الثقة العالية لإنهاء هذه الحرب وفقاً لشروط الإذعان تلك، بسبب اعتقاده الراسخ أن منطق التهديد بالقوة والتنفيذ الفعلي لها له نتائج مرجوة في المنطقة عامة، ومع حركات المقاومة وداعميها خاصة.

وفيما يتعلق بالحرب في لبنان، فنتصور اتباع ترامب سيناريو غزة نفسه، والذي سيتمحور حول إنهاء «حزب الله» لحربه على إسرائيل كشرط أساسي لإنهاء الحرب – بل قد يصل الأمر إلى مطالبة ترامب بإخراج «حزب الله» كليا من جنوب لبنان، وتولي الجيش اللبناني مهامه في الجنوب – أما في ما يتعلق بالوضع في لبنان عموماً، فنعتقد أنه بعد التوصل إلى صفقة لإنهاء الحرب، لن يكون ترتيب الوضع في لبنان ذا أولوية رئيسية له، لاسيما قضية اختيار رئيس للبنان.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى