رأي

ترامب وبوتين.. تباين في الرؤى للحرب في أوكرانيا رغم التقارب

كتبت جانيل دومالاون وأوليفيا جيلياند, في “DW” :

الاجتماعات والاتصالات الأمريكية الروسية، بشأن الحرب في أوكرانيا، تشير إلى تغيير جذري في السياسة الخارجية لأمريكا سيكون له تأثير عالمي عميق. لكن كيف يرى ترامب طريقة إنهاء الحرب في أوكرانيا وكيف تراها موسكو؟

قبلت أوكرانيا الاقتراح الأمريكي بوقف إإطلاق النار لمدة 30 يوما بشرط موافقة روسيا. ونتيجةً لذلك، رفعت الولايات المتحدة القيود المفروضة على المساعدات وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا.

وتتجه الأنظار الآن إلى المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة، المقرر إجراؤها نهاية الأسبوع، وما تعنيه نتيجتها بالنسبة لأوكرانيا وأوروبا.

وقال دانيال فريد، الباحث في المجلس الأطلسي والسفير الأمريكي السابق في بولندا: “الكرة في ملعب الروس”. وأضاف لـ DW: “لقد فعل الأوكرانيون ما أصرت عليه إدارة ترامب، وحتى (نائب الرئيس) جيه دي فانس، وهو دعم مبادرة السلام التي أطلقها ترامب”.

وتابع “السؤال الآن هو: هل سيوافق الروس على وقف إطلاق النار؟ وإذا وافقوا، فهل سيلتزمون به؟”

توتر العلاقة بين ترامب وأروبا

الطريق للوصول إلى هذه النقطة كان محفوفا بالمخاطر، إذ زعزعت افتراضات راسخة حول مكانة أمريكا في أوروبا وعلاقتها بالقارة.

اصطدم وعد ترامب الانتخابي بإنهاء الصراع الروسي الأوكراني في يوم واحد بعد تنصيبه، بالواقع القاسي المتمثل في التوسط في اتفاق سلام. ومع ذلك، سعى الرئيس الأمريكي إلى حل الصراع.

والاتصالات الهاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والاجتماعات الأمريكية في الشرق الأوسط، والتصريحات العلنية للمسؤولين الأمريكيين بأن توقع استعادة أوكرانيا لأراضيها أمرٌ غير واقعي، كلها عوامل هزت النظام القائم في أوروبا. ويُعدّ التواصل المباشر مع بوتين تغييرا جذريا 180 درجة في سياسة واشنطن وابتعادا عن سياسة إدارة بايدن.

ومع قيام ترامب بالتواصل مع روسيا، وجدت أوروبا نفسها مهمشة في الاتصالات بين روسيا والولايات المتحدة، إلى الحد الذي جعل المحادثات بين أوكرانيا والولايات المتحدة تُعقد في السعودية وليس في أوروبا، القارة الأكثر تضررا من العدوان الروسي.

وترى كريستينه بيرزينا، المديرة الإدارية للجيوستراتيجية الشمالية في صندوق مارشال الألماني أن عقد الاجتماع في السعودية على عكس البدائل المحايدة مثل سويسرا، يضع النقاش حول أمن أوروبا خارج القارة نفسها. وقالت “أعتقد أن الأمر المهين جدا للعديد من الأوروبيين هو أن يتم تجاهلهم. إن الأمر مختلف بين أن تكون في القاعة وتشارك في النقاش، وبين ألا يسمح لك بالتواجد في القاعة على الإطلاق”.

ترامب يحمل زيلينسكي مسؤولية غزو أوكرانيا!
منذ عودته إلى الرئاسة كان موقف ترامب تجاه أوكرانيا وأوروبا متقلبا. ففي مرحلة ما، ألقى باللوم في غزو روسيا لأوكرانيا على زيلينسكي، وفي مناسبات أخرى على حلف شمال الأطلسي، ووصف الرئيس الأوكراني بأنه “ديكتاتور بلا انتخابات”.عقد اجتماع السعودية، تدورحرب كلامية بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي . فقد ألقى ترامب باللوم على زيلنسكي في غزو أوكرانيا ونعته بأنه “ديكتاتور بدون انتخابات” متجاهلا صعوبة إجراء الانتخابات، في وقت تقاتل فيه أوكرانيا من أجل البقاء.

وبلغ التوتر ذروته في بداية مارس/ آذار، مع الاجتماع الكارثي في البيت الأبيض بالمكتب البيضاوي مع ترامب ونائبه فانس. وبعد عودة زيلينسكي إلى أوروبا سعى إلى حشد الدعم من حلفائه الأوروبيين، مع تأكيده على امتنانه للمساعدات الأمريكية.

وفي ظل العلاقات المتوترة مع ترامب، أصبحت أوروبا سؤالا وجوديا هو: كيف ستبدو القارة بدون ضمان دعم الولايات المتحدة، وذلك لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية؟

إن هذا الأمرسيجبر أوروبا على البحث عن طرق لضمان أمنها والدفاع عن نفسها، حسب رأي بافل باييف، الباحث في الشؤون الأمريكية والأوروبية بمعهد بروكيغز، في حواره منع DW.

ويقول باييف “إن الأمر كله يتلخص في أن على أوروبا تحمل المزيد من المسؤولية لتعزيز أمنها، فالأمن الأوروبي، قضية تخص الأوروبيين وهناك حاجة لبذل المزيد من الجهود”.

وكان رد الاتحاد الأوروبي منذ عودة ترامب هو تخصيص حوالي 800 مليار يورو لتعزيز القدرات الدفاعية كجزء من خطة “إعادة تسليح أوروبا” المكونة من خمس نقاط. وأكد القادة الأوروبيون على دعمهم لأوكرانيا وأمن القارة الأوروبية.

وأعلن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، استعداد بلاده لإرسال قوات إلى أوكرانيا ضمن قوة حفظ سلام، بينما ناقش الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إمكانية السماح باستخدام الأسلحة النووية الفرنسية كمظلة أمان أوروبية. ودعا فريدريش ميرز، المستشار الألماني القادم المحتمل، بجرأة إلى إيجاد بدائل لحلف الناتو، وربما بناء قدرات دفاعية أوروبية مستقلة.

نتيجة غير مؤكدة
التغييرات السريعة في السياسة الخارجية الأمريكية صدمت حلفاء الولايات المتحدة. ولكن ازدراءترامب لأوكرانيا وأوروبا، واحترامه لروسيا، ليس بالأمر المفاجئ، حتى وإن لم يكن مفهوما تماما، كما يقول ماكس بيرغمان، مدير برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا ومركز ستيوارت للدراسات الأوروبية الشمالية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS).

ويقول بيرغمان “هناك كل أنواع النظريات حول سبب تعامل الولايات المتحدة مع روسيا، بدء من تعامل شركات ترامب مع الأوليغارشية الروسية وتمويل غسيل الأموال الروسية إلى تدخل روسيا عام 2016 في الانتخابات الأمريكية ومساعدتها لترامب، إلى ميل ترامب للقادة الأقوياء مثل بوتين” ويضيف بيرغمان “ما أود قوله، هو أن ترامب متسق تماما بشأن تقاربه مع روسيا، وبشأن تجاهله لحلف الناتو”.

لكن رغم هذا التقارب، فإن اللقاء الأول بين القوتين (روسيا وأمريكا) على الأراضي الروسية منذ غزو أوكرانيا، قد لا يؤدي بالضرورة إلى النتائج التي يتوخاها ترامب. ويقول باييف “أعتقد أن هناك فرق واضح بين الحرب كما يراها الرئيس ترامب كشيء لا معنى له، شيء يجب إيقافه بأسرع ما يمكن، والحرب كما تراها موسكو كصراع وجودي، حيث الكثير من القضايا الحاسمة لأمن روسيا ووجودها ذاته على المحك” ويضيف “لا أرى أي استعداد لدى موسكو لتغيير نهجها الاستراتيجي تجاه الحرب في أوكرانيا”.

ومن المتوقع أن يلتقي المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف، وهو حليف لترامب ذو خبرة دبلوماسية محدودة، بوتين هذا الأسبوع. ولا توجد حتى الآن أي مؤشرات على وجود تمثيل لأوروبا أو أوكرانيا على طاولة المفاوضات.

وبناء على اتفاق وقف إطلاق النار في أوكرانيا والعدوان الروسي، فإن رغبة ترامب في إنهاء الحرب يمكن أن تتحقق على أفضل وجه من خلال وفد مطلع بشكل جيد، كما يقول الخبير في الشؤون الروسية دانيال فريد، ويضيف بأن “بوتين خاصة، والروس بشكل عام، ماهرون للغاية في تعقيد المفاوضات، وطرح شروط جديدة، مما يجعل الأمر معقدا ومربكا”.

“إذا كنت غائبا لن تعرف متى يكذب عليك الروس – وربما يكذبون بالفعل. الصفقة التي أمامنا بسيط للغاية: وقف إطلاق نار كامل لمدة 30 يوما، ولا يحتاج الروس إلى تعقيده إلا إذا اعتقدوا أنهم يستطيعون تجاوز الأمريكيين، وهو ما قد يفعلونه”. يقول دانيال فريد.

فرصة لإضعاف قوة الولايات المتحدة
وبعيدا عن الصفقة التي يتطلع ترامب إلى إبرامها مع روسيا لإنهاء حرب أوكرانيا، فإنه قد يجد قريبا أن التحالف الوثيق مع روسيا يحقق ميزة استراتيجية محدودة للولايات المتحدة، هذا إن لم يكن ضررا مباشرا. ويقول بيرغمان “لا أدري لماذا نريد تقوية عدونا الرئيسي”. ويضيف “كما أنه ليست هناك مكاسب اقتصادية حقيقية من التعامل مع روسيا”.

وتشير التقارير إلى أن هناك على الطاولة نسخة محدثة من الاتفاقية المتعلقة بالثروة المعدنية لأوكرانيا، حيث رفض زيلينسكي النسخة الأصلية التي أعدتها إدارة ترامب، ويتعين بموجبها على أوكرانيا تسليم معادن وعناصر أرضية نادرة بقيمة 500 مليار دولار للولايات المتحدة،، تعويضا عن المساعدات التي قدمتها لها منذ بدء الحرب. وهذا دليل آخر على الصفقات التجارية التي يروج لها ترامب.

ويتوقع بيرغمان أن يستغل بوتين الفرصة لتقويض قوة الولايات المتحدة العالمية، ويقول “أعتقد أن روسيا ستتحرك بسرعة لتحاول تحطيم الأمور حول العالم”. ويضيف “أعتقد أن هذا سيخلق بيئة وديناميكية عالمية خطيرة جدا يتم فيها دفع النظام العالمي الحالي جانبا، والقائم على القواعد التي تمنع غزو الدول الأخرى”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى