ترامب وإيران.. ما بين خيار الحرب وسياسة الضغط القصوى
كتبت د. نورة صالح المجيم, في “القبس”:
إيران ستكون إحدى المعضلات الرئيسية التي ستواجه ترامب في ولايته الثانية، وذلك عكس ما يعتقد الكثيرون. ويتبدى ذلك من تصريحات ترامب المتضاربة إبان حملته الانتخابية حول إيران، التي تراوحت ما بين ضرب إيران وتقسيمها، إلى إمكانية الحوار مع إيران، مروراً بتشجيع إسرائيل على ضرب المفاعلات النووية لإيران، وأخيراً منع الحرب الشاملة في المنطقة والانفتاح على النظام والتمني بنجاح إيران. لتوقع مسار محدد سينتهجه ترامب تجاه إيران، يجب أولاً الإحاطة ببعض المعطيات، منها: ما هو موقف الولايات المتحدة الرئيسي من إيران؟ وما موقف أو توجه ترامب الشخصي تجاه إيران؟ وما تأثير العامل الإسرائيلي في سياسة واشنطن تجاه إيران؟
ويُعد عدم امتلاك إيران السلاح النووي، لكن شريطة عدم الانجرار معها في حرب كبيرة أو شاملة، سياسة أمريكية راسخة مجمع عليها من الحزبين الرئيسيين، لأسباب عديدة، من أبرزها الكلفة الباهظة لهذه الحرب، واستخدام التهديد الإيراني كذريعة للبقاء في المنطقة، وبيع السلاح لدوله. ومن المفارقات أن تلك السياسة تتماشى مع المزاج العام لترامب، إذ لا يحبذ الحرب مطلقاً، لكنه أيضا لا يحبذ سياسة الحوار التي يفضلها الجمهوريون، بل يفضل سياسة الضغط القصوى.
بالنسبة لموقف إسرائيل يشكل معضلة لواشنطن، إذ تسعى بقوة للحرب، وفقط، ولا تؤمن بأية وسيلة أخرى لتدمير البرنامج النووي، والقضاء على النظام الإيراني أو تقويضه. ومن ثم أصبح العنصر الإسرائيلي الضاغط بقوة على واشنطن، لجر واشنطن لحرب مع إيران، عبئا شديدا على واشنطن، بات معلنا به صراحة من جانب عدد كبير في واشنطن، خاصة من الديموقراطيين.
المعضلة التي ستواجه ترامب في التعامل مع إيران، اعتقد أن ترامب سيسعى مبكراً إلى إبرام صفقة مع إيران، وأحد الشواهد القوية على ذلك هو مقابلة إيلون ماسك لسفير إيران في الأمم المتحدة، التي تشي بإقناع طهران بالتخلي التام عن برنامجها النووي، والوقف التام عن دعم وكلائها في المنطقة، مقابل رفع العقوبات والانفتاح على النظام. ومع ذلك، تواجه تلك الصفقة إشكاليتين، هما موافقة إيران عليها، وإقناع إسرائيل بها. ولا نعتقد أيضا بموافقة الاثنين عليها، فإيران خاصة في ظل هيمنة التيار المتشدد عليها، لن تقبل بصفقة إذعان صريحة مباشرة كتلك، حيث سيتطلب الأمر فتح المنشآت النووية للمراقبين الدوليين، ووقف مصادر وقنوات الدعم والتمويل للوكلاء وفقا لشروط وضوابط صارمة.
إن إيران، بناء على خبرات سابقة، قد توافق ظاهريا على صفقة كتلك من باب سياسة المراوغة التي تجيدها، لكنها عمليا تتنصل من كل تعهداتها في ضوء الضمانات والضوابط الهزيلة التي تضعها واشنطن، والتي لن تقبل بها إدارة ترامب.
الخلاصة، المتوقع أن تكون سياسة تكثيف الضغط الاقتصادي القصوى هو نهج ترامب الأساسي المتبع تجاه إيران. ومع ذلك، يواجه تحديا هائلا لمواصلة هذا النهج، يرتكز في محاولة إقناع إسرائيل به، أو عدم خرقه باتباع سياسات منفردة متهورة تجاه إيران، خاصة ضرب المنشآت النووية. وما يفاقم هذا التحدي لترامب هو تداعيات طوفان الأقصى على إسرائيل، وعناصر إدارته الجديدة التي هي في معظمها شديدة التعصب لإسرائيل.