تراجيديا اللجوء المفروضة و”دولة المهاجرين” المرفوضة
كتب رفيق الخوري في صحيفة اندبندنت العربية:
قضية اللاجئين في العالم تكبر وتزداد مأسوية بمقدار ما تتوسع المؤتمرات الدولية حول اللجوء، وآخرها المنتدى العالمي للجوء في جنيف.
تشدد الجمهوريون في الكونغرس الأميركي حول اللجوء عطل إقرار الكونغرس مساعدة بقيمة 66 مليار دولار لأوكرانيا.
البحر الأبيض المتوسط بات مقبرة للأطفال، تقول “يونيسف” إن نهر ريوغراندي يعبره سنوياً مئات الألوف من أميركا اللاتينية طلباً للجوء في الولايات المتحدة.
المعابر الشرعية وغير الشرعية كانت خلال حرب سوريا ممراً لمليوني نازح سوري إلى لبنان صاروا يوازون نصف اللبنانيين.
أوروبا تصرخ ضد اللجوء وتدخل في خلافات داخلية بسبب الميل إلى تحميل اليونان وإيطاليا معظم أعباء اللجوء لمجرد أن اللاجئين يصلون إلى الجزر اليونانية والإيطالية أولاً.
تركيا تستخدم اللاجئين السوريين إليها سلاحاً في اللعب مع الاتحاد الأوروبي، وأميركا تقيم الجدران وتحذر من طوفان بشري يتدفق نحوها من حدود المكسيك ويصل إلى نيويورك.
وفي العالم اليوم “دولتان” خارج الأمم المتحدة: “دولة الملياردرية” التي هي فوق الدول، و”دولة المهاجرين” الـ107 ملايين التي هي تحت الدول، ولا شيء يمنع اللجوء، لا الموت في البحر المتوسط، ولا الإذلال عند الحدود الأميركية والأوروبية، ولا اليافطات البلدية المرفوعة في القرى والبلدات اللبنانية.
هجرات الشعوب والأقوام قصة قديمة ومستمرة منذ بدء التاريخ، كل بلد جزء من شعبه من بلد آخر، أميركا هي “أمة مهاجرين” من كل بلاد العالم، ولا مجال للحيلولة من دون الهجرة هرباً من الظلم والقمع بحثاً عن الحرية، أو هرباً من البؤس بحثاً عن حياة كريمة ومستقبل.
لا الأفارقة وحدهم يتدفقون على أوروبا، ولا أهل أميركا اللاتينية وحدهم يبحثون عما يسمى “الحلم الأميركي”، وليس أمراً قليل الدلالات أن تتركز الهجرات على الوصول إلى الغرب، لا إلى الصين وروسيا وإيران ومحور “الممانعة”، فضلاً عن أن المهاجرين ليسوا مجرد أرقام وأفواه تبحث عن طعام ومسكن وعمل، بل بينهم شباب متخرج من الجامعات وأصحاب مواهب وثقافات تضيف الكثير إلى بلدان اللجوء.
عام 1951 جرى أول اتفاق دولي حول اللاجئين، وفي 1967 كان بروتوكول إضافي حول حقوق اللاجئين، لكن ذلك بقي قاصراً عن تنظيم اللجوء أو منع الكوارث، حيث قوارب الموت تراجيدياً لا رد لها، فلا استخدام العنف والإبعاد لطالبي اللجوء أوقف الموجة المتصاعدة، ولا تنظيم اللجوء بدا كاملاً.
المسؤولية عن الكوارث وموت الأطفال وغرق المحشورين في زوارق متهالكة تبدأ من سوء الأنظمة وسوء توزيع الثروة في البلدان الفقيرة وتنتهي بسوء السياسة في البلدان الغنية.
وإذا كانت مسؤولية طالبي اللجوء هي المغامرة بحياتهم، فإن المسؤولية الكبرى تقع على المهربين الجشعين الذين لا يهمهم سوى الربح ولو غرق المهاجرون، كما على المسؤولين في نقطتي الانطلاق والوصول، دول الشاطئ الشرقي للمتوسط ودول الصحارى التي يقطعها الباحثون عن ملجأ، ودول الشاطئ الغربي للمتوسط.
ليس المطلوب فتح الباب مشرعاً أمام طالبي اللجوء، لكن الحد الأدنى هو تنظيم الهجرة وضبطها لا قمعها، فلا أحد يرمي نفسه إلا إذا كانت أمامه فرص حقيقية للعمل الكريم في بلده، ولا أحد يهرب من نظام يعمل للتنمية المستدامة ومحاربة الفساد وإعداد المستقبل للشعب، ويضرب عصابات المافيا أو حتى من نظام يمارس الحد الأدنى من الحريات الديمقراطية.
العالم كبير يتسع للجميع، لكن المشكلة في العقول الضيقة في البلدان الغنية، وفي الفساد الذي يمارسه حكام أفريقيا وأميركا اللاتينية العسكر والمدنيون، وتركيز القوى الكبرى على استخراج الثروات الطبيعية.