تحذيرات من جرائم النصب الإلكتروني في سوق العملات المشفرة
مع إقرار أكبر شركة لتداول العملات المشفرة “بينانس” هي ومؤسسها ورئيسها تشانغبينغ تشاو بالذنب في تهم غسل الأموال وانتهاك قوانين العقوبات المالية وتسهيل التحويلات التي تمول الإرهاب والجريمة المنظمة، بدأت تتكشف جوانب مظلمة كثيرة في سوق المشفرات، إذ لا يقتصر الأمر، وفق إعلان وزارة العدل الأميركية ووزارة الخزانة، على انتهاك قوانين العقوبات كما حدث مع تمويلات لإيران أو تسهيل تحويلات لتنظيمي “القاعدة” و”داعش”، وغيرهما، بل إن تحقيقات السلطات الأميركية كشفت عن استخدام منصات العملات المشفرة في عمليات النصب الإلكتروني بكثافة، وفق تقرير مطول لوكالة “رويترز” عن أحد تلك البرامج والمعروف باسم “ذبح الخنزير”.
يشير التقرير إلى أن برامج النصب الإلكتروني في سوق المشفرات يأتي معظمها من آسيا وأصبح حجمها بمليارات الدولارات، وتتبعت قصة الوكالة أحد المستفيدين من برامج النصب تلك، عبر محفظته للعملات المشفرة على منصة شركة “بينانس”. وتكشف القصة عن أنه المسؤول الصيني عن جمعية للعلاقات التجارية بين الصين وتايلاند وانغ يتشينغ. وبحسب نتائج شركة “تي آر أم لابس” المتخصصة في تحليل شبكة “بلوكتشين” التي يتم تكوين وتداول العملات المشفرة عليها فإن حسابات وانغ في تايلاند حصلت على الملايين من محافظ وحسابات مرتبطة ببرنامج “ذبح الخنزير” وغيره من برامج النصب الإلكتروني باستخدام العملات المشفرة.
نشاط إجرامي
لا شك أن هناك كثيراً ممن تلقوا إما رسائل إلكترونية أو حتى رسائل نصية عبر “واتساب” أو غيره على هواتفهم تطرح عليهم الاستثمار في العملات المشفرة وتعدهم بأرباح مؤكدة عالية جداً ومن دون مجهود. وفي الغالب تكون تلك الرسائل مغرية جداً، وتبدو حقيقية، بل وربما يحصل المخدوع على بعض العائدات في البداية لإغرائه أكثر، بخاصة مع تحويله إلى مواقع مزيفة تكاد تكون منصات تداول واستثمار حقيقية في العملات المشفرة.
أحد الضحايا في تقرير “رويترز” رجل من كاليفورنيا يبلغ من العمر 71 سنة خسر مدخرات عمره، بقيمة 2.7 مليون دولار، بعدما قام بتحويلها تباعاً إلى محافظ عملات مشفرة. وتقول عائلته إنه تعرض للخداع من امرأة جميلة متوسطة العمر ادعت أن اسمها إيما. وكشفت التحقيقات لعلميات شبكة “بلوكتشاين” أن قدراً من تلك الأموال ذهب إلى حساب وانغ، لكن محللة المعلومات في شركة “تي آر أم” ليزا ولك تقول إن حساب العملات المشفرة الخاص بوونغ ليس سوى “نقطة في شبكة غسل أموال وليس بالضرورة الحساب النهائي لتلقي الأموال”. وتشير تلك البرامج للنصب الإلكتروني إلى أن سوق المشفرات ربما عادت إلى أصلها قبل أن تصبح العملات المشفرة متاحة للجمهور على الإنترنت، فقبل أن تتاح للجمهور في عام 2009 كانت العملات المشفرة، وبخاصة “بيتكوين”، موجودة فقط على الإنترنت المظلم، أو الويب الأسود، وتستخدم كعملة تداول بين عصابات الجريمة المنظمة من تجار المخدرات والدعارة والقتلة المأجورين، وغيرهم، وإن كان مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي يتتبعها في تحقيقاته، بل إن تقارير سابقة ذكرت أن المكتب كانت لديه أكبر محفظة من “بيتكوين” قبل معرفة العالم بشبكة “بلوكتشاين” عقب الأزمة العالمية. وقدرت بعض التقارير أن المكتب، التابع لوزارة العدل الأميركية، صادر ما يصل إلى 144 ألف “بيتكوين” (أي ما يزيد على أربعة مليارات دولار بسعر اليوم لـ”بيتكوين”).
احذروا النصب
تكثف السلطات حول العالم في الآونة الأخيرة جهودها لكشف الممارسات الإجرامية في سوق العملات المشفرة، والتي تتم عبر شركات تداول المشفرات الكبرى. وفي بعض الأحيان تكون التعاملات الإجرامية مثل الذي حدث في شركة “أف تي أكس” المنهارة من اقتراض هائل مقابل أصول وهمية وضياع المليارات على المتعاملين كما فعل مؤسسها المدان حالياً في نيويورك سام بانكمان – فرايد، والذي أضاع على المتعاملين مع الشركة 10 مليارات دولار تقريباً، إضافة إلى عمليات غسل أموال ضخمة وتبرعات غير قانونية لسياسيين وفق ما كشفت عنه قضية بانكمان – فرايد، لكن تقرير “رويترز” ركز على برامج النصب الإلكتروني مثل برنامج “ذبح الخنزير”، والذي يقوم من خلاله نصابون محترفون بسحب الأموال من المواطنين الذين ينخدعون بالاستثمار في العملات المشفرة على أمل تحقيق أرباح طائلة. وفي الولايات المتحدة وحدها، بلغ حجم الهجمات ببرامج النصب الإلكتروني بواسطة المشفرات العام الماضي 2.6 مليار دولار، وهو مبلغ يصل إلى ضعف النصب المالي الإلكتروني باستخدام العملات المشفرة في العام السابق 2021، بحسب تقديرات مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وأعلنت الصين في الأشهر الأخيرة بدء حملة من السلطات لمكافحة عمليات النصب الإلكتروني، بخاصة باستخدام العملات المشفرة، ووسعت التعاون في ذلك السياق مع تايلاند وميانمار. وأعلنت تايلاند في سبتمبر (أيلول) إلقاء القبض على عدد من الصينيين ممن لهم علاقة بعمليات نصب إلكتروني بالعملات المشفرة، وأعلنت شركة “بينانس” وقتها أنها قدمت المساعدة المطلوبة للسلطات التايلاندية.
وفي يناير (كانون الثاني) من هذا العام شارك عملاء مكتب التحقيق الفيدرالي مع عملاء الخدمة السرية في الولايات المتحدة في جلسة معلوماتية حول جرائم النصب الإلكتروني، واطلع المشاركون على مذكرة من 72 صفحة تفصل نتائج التحقيقات في جرائم النصب الإلكتروني بالعملات المشفرة وكيف أن مصدرها الأكبر هو جنوب شرقي آسيا، لكن ذلك لا يعني بالطبع أنها تقتصر على تلك المنطقة، بل يمكن أن تأتيك رسالة من أي مكان عبر الإنترنت أو غيره، فاحذر من أي محاولة لإقناعك بالاستثمار في العملات المشفرة حتى لو بدا أنها حقيقية فقد تكون النهاية خسارة كل أموالك.