رأي

تحديات 2022: هل يعود لبنان الذي كان!

كتبت سابين عويس في “النهار”: “

لو لم يكن العهد على أفوله، والبلد في الأمتار الأخيرة لسقوطه نظاماً ومؤسسات، والشعب في أقصى حضيض الانهيار، لكان يصح اعتبار الخطاب-المصارحة الأخير لرئيس الجمهورية، والذي دعا فيه الى طاولة حوار لبحث ثلاثية من الاستراتيجية الدفاعية واللامركزية الإدارية والمالية، وخطة التعافي، خارطة طريق لمواجهة تحديات السنة المطلة برأسها من رحم أزمات ونار جهنم الحارقة لكل ما كان جميلاً في بلاد الأرز.

لكن الخطاب الآتي من رأس الهرم ال#لبناني، جاء من خارج زمانه ومكانه، بعدما التهم الانهيار كل أعمدة البلد ومقومات نشاطه وازدهاره، وابتلعت المصالح والحسابات السياسية كل ركائز دستوره وقضائه، فلم يبق الا فتات تتناتشه الزعامات، تماماً كما الفقراء الذين وصلت نسبتهم الى 77 في المئة يتناتشون رغيف خبز يسد جوعاً دخل عامه الثاني منذ ان قرر مئات الآلاف من اللبنانيين ان ينتفضوا ويفتشوا الشوارع في أبهى ثورة عرفها العالم.

تطل 2022 وسط تحديات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية قل نظيرها في دولة لا يتجاوز عدد سكانها الأربعة ملايين لبناني، على مساحة بالكاد تتجاوز العشرة آلاف كلم مربع، تستضيف الى جانب هؤلاء نحو مليوني لاجيء يتقاسمون مقدرات اقتصاد منهك وبنى تحتية مهترئة.

والسؤال الذي يشغل بال هؤلاء حول ما ستحمله السنة الطالعة في ظل التوقعات بأن الأسوأ لم يأتِ بعد!

أطفأ العام 2021 أيامه الاخيرة على تثبيت وقائع الانهيار والسقوط المدوي لدولة المؤسسات والنظام، وترحيل كل مكامن الأزمات الى السنة الجديدة في السياسة والأمن والاقتصاد والمال.

في السياسة، التحديات واضحة وتُقرأ من عناوينها الاساسية: حكومة معطلة ومجلس نيابي كذلك، واستحقاق انتخابي يفرض اجندته على ما عداه في الأشهر القليلة المتبقية أمامه.

كل المؤشرات تدل على ان تعطيل الحكومة مستمر ومجلس الوزراء عاجز عن الانعقاد، فيما خطر تطيير التحقيق في انفجار المرفأ، في ظل اصرار “#حزب الله” على تطيير المحقق العدلي، يهدد بإدخال لبنان في المحظور الأمني الذي تتضاعف مخاطره مع مرور كل يوم حتى موعد الانتخابات النيابية. ذلك ان الخطر الأمني يشكل حالياً الهاجس الأكبر في الأوساط المراقبة، وعوامل انفجاره تتفاقم، من باب تحقيقات المرفأ، كما من باب تطيير الانتخابات، أو حتى من باب العنف المجتمعي الذي سيزيد اكثر تحت وطأة الفقر والعوز، مهدداً بانفجار اجتماعي غير مسبوق.

في السياسة ايضاً، ومع انتهاء دورة العقد العادي للمجلس النيابي الليلة، ينضم البرلمان الى الحكومة في حال الشلل، بحيث يتعطل العمل الاجرائي والتشريعي على السواء، في ظل مناخ يشي بعدم وجود توجه لدى رئيس الجمهورية للتوقيع على مرسوم فتح دورة استثنائية، علماً ان ثمة معلومات تشير الى توجه نيابي لتوقيع عريضة تطالب الرئيس بهذا الامر، ولكنها تحتاج الى غالبية لا تبدو متوافرة حتى الآن. وتعطيل المجلس يعني عملياً تطيير كل التشريعات المطلوبة للمسار الاصلاحي، وفي طليعتها مشروع الكابيتول كونترول!

رغم رغبة عدة قوى بعدم اجراء الانتخابات النيابية والسعي لتطييرها رغم الضغوط الدولية الحثيثة والجادة لمنع ذلك، الا ان البلاد ستدخل اعتبارات من الشهر المقبل مرحلة الاستعداد لهذا الاستحقاق، مع ما يعنيه ذلك من انشغال بالحملات الانتخابية، سيترافق مع جهود سياسية لهذه القوى لإنضاج صفقة جديدة قوامها التمديد على مختلف المستويات، للمجلس مقابل التمديد للرئاسة وللحكومة المعطلة أساساً، بحيث يكون الإفراج عنها بنداً من بنود الصفقة.

امام هذا الانشغال الذي سيحتل اولوية الاولويات لدى المنظومة الحاكمة، ولا يِستثنى منها حكماً موقع الرئاسة، وان كان الرئيس فعل ذلك عندما وجه سهام التعطيل اليها، غافلاً عن موقعه وموقع تياره السياسي منها وفيها، فإن التحديات الاقتصادية والمالية والمعيشية والاجتماعية ستسقط بفعل غياب المعالجات والاهتمام.

ستبقى العملة الوطنية رهينة تلاعب اهل السياسة والمضاربين، وسيستمر المصرف المركزي في دورانه في الحلقات المفرغة لتعاميم واجراءات تستكمل عمليات الاقتطاع التي يتعرض لها المودعون، بحيث تتبخر شيئاً فشيئاً الودائع الصغيرة والمتوسطة. وسيبقى الدولار محلقاً ضمن تعددية أسعاره، في ظل غياب اي قرار حدي بتوحيد سعره، طالما ان لا قرار بعد بتعويم العملة، فيما المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ستشمل ابرز التحديات امام حكومة نجيب ميقاتي، القادرة على التفاوض، وإنما العاجزة عن التوقيع على نتائجه!

التعطيل سينسحب ايضاً على ملف التدقيق الجنائي الذي يستنفد المهل من دون اي تقدم، بعدما دخلت الشركة المكلفة به شباك اللعبة اللبنانية، وباتت تجيد لعبها من دون اي ضير طالما ان الدولة ملتزمة بدل الأتعاب وفسخ العقد.

من الواضح ان أفق السنة المقبلة لا يزال قاتماً ومشوباً بالغموض والشكوك، وهذا امر مبرر، ليس فقط لأن حجم الأزمات المتفجرة والتخبط الرسمي الحاصل في معالجتها يعزّزان هذا التشاؤم، وإنما ايضاً والاهم ان لا وضوح بعد في التوجهات الاقتصادية والمالية للحكومة، طالما انها لم تعلن بعد حتى الآن عن بنود خطتها للتعافي الاقتصادي، او عن مشروع موازنة السنة المقبلة، وهذان الأمران أساسيان لبلورة رؤية الحكومة واستراتيجيتها التي على اساسها ستوقع برنامجها مع صندوق النقد.

لقد أنجز وزير المال يوسف خليل مشروع موازنة 2022، كما ان رئيس الوفد المفاوض نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي قد قطع شوطا. كبيراً ومتقدماً في إعداد الخطة، الا ان اللبنانيين لا يزالون جاهلين لما ستتضمنه الخطة وتعكسه الموازنة. وهذا مهم بالنسبة اليهم لمعرفة ما ينتظرهم في المرحلة المقبلة من سياسات تقشفية واجراءات اقتطاع ستتخذ من خلال ما تكشف حتى الآن عن خطة توزيع الخسائر المالية بعدما تم توحيدها.

فالمعلم حتى الآن على المستوى الرسمي ان الجهات الأربع التي ستتحمل هذه الخسائر تتوزع على الدولة في الدرجة الاولى ثم المصرف المركزي فالمصارف وأخيراً المودعين ولكن بأي نسب؟؟

في بيانها الوزاري، حددت حكومة ميقاتي لنفسها تحديات ومهمة إنقاذية. تقضي المهمة باستكمال تحقيقات المرفأ واستكمال التعويض على المتضررين، واتخاذ إجراءات غير مسبوقة وغير تقليدية تلاقي طموحات المنتفضين، واُخرى توقف الهجرة، وتحقيق ثلاثية يلتقي حولها اللبنانيون مرتكزاتها الأمان والاستقرار والنهوض.

مضى على حكومة ميقاتي اكثر من ثلاثة أشهر أمضت معظمها في الشلل والتعطيل، فبقي البيان وعوداً غير قابلة للصرف.

وبمرور الأيام، والعجز عن الأقدام، فقدت العملة الوطنية 90 في المئة من قيمتها، وهاجر رأسمال لبنان البشري الكفوء بحثاً عن الاستقرار وفرص العمل في دول تحترم الكفاءة والعلم، وأصبح 77 في المئة من سكان البلد فقراء، وبلغ التضخم مستويات غير مسبوقة، فيما غاب النمو وحل محله الانكماش.

يستقبل لبنان سنة جديدة، والعالم يواجه سنة التحولات الكبرى، وقد حُكم عليه بالعزلة والفقر من اجل تحقيق مشاريع إقليمية ليس معروفاً ما ستكون حصته فيها، وان كانت كل البوادر تؤشر الى ان المشروع الذي انخرط فيه اصحاب النفوذ في البلد سيكرس العزلة وسيثبت الفقر ويفاقم الانهيار!”

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى