رأي

تحديات تهدد مستقبل العراق

كتب محمد السعيد إدريس في صحيفة الخليج.

الأحداث السريعة والمتلاحقة التي شهدها العراق على مدى ما يقرب من شهر مضى، بدأت بالهجوم الذي تعرضت له السفارة الأمريكية في بغداد، ثم بدء أولى جلسات الحوار الأولي بين العراق والولايات المتحدة لبحث مسألة انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق، وما حدث في اليوم التالي مباشرة من هجوم على قاعدة «البرج – 22» الأمريكية الواقعة على الحدود الأردنية – السورية، ما أدى إلى وقوع 3 قتلى من العسكريين الأمريكيين، وما لا يقل عن 40 جريحاً، كلها أحداث تُفاقم من غموض مستقبل الاستقرار والأمن في العراق، وبالذات ما يتعلق بإمكانية انعتاق العراق من معادلة «الصراع الجهنمي» الإيراني- الأمريكي على أرضه. وهو الصراع الذي تصاعد مع حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، والإصرار الإسرائيلي المدعوم أمريكياً، على رفض وقف هذه الحرب، حيث أدت هذه الحرب، وهذا الإصرار إلى تفجير ما يمكن وصفه ب«الحرب المحدودة غير المباشرة» بين إيران والولايات المتحدة، عبر قيام الفصائل العراقية واليمنية الموالية لطهران، بشن هجمات مكثفة على أهداف أمريكية وإسرائيلية، بلغت 165 هجوماً شنتها فصائل ما يسمى ب«المقاومة الإسلامية في العراق»، على أهداف ومواقع أمريكية في سوريا والعراق، فضلاً

عن توجيه ضربات أخرى لأهداف إسرائيلية، في الوقت الذي فجّرت فيه الجماعات «الحوثية» اليمنية حربها في البحر الأحمر لمنع وصول أي سفن إلى إسرائيل، وربط هذه الحرب بالحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

في ظل هذا التشابك أضحى التساؤل صعباً عن أي مستقبل للحوار الذي بدأت أولى جلساته في بغداد لبحث الانسحاب الأمريكي من العراق. فهل يمكن أن ينسحب الأمريكيون من العراق قبل انسحاب الإسرائيليين من قطاع غزة؟ وهل يمكن أن يتواصل الحوار العراقي – الأمريكي مجدداً، في ظل ما تراكم من تداعيات وردود فعل عراقية وأمريكية على هجوم الفصائل العراقية على قاعدة «البرج- 22»، وعلى الهجمات المكثفة التي شنتها القوات الأمريكية على 85 هدفاً في سبعة مواقع مختلفة في العراق وسوريا؟

مكتب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، دان في بيان له رداً على الهجوم الأمريكي «العدوان الجديد على سيادة العراق»، وقال إن وجود التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة «صار سبباً لتهديد الأمن والاستقرار في العراق ومبرراً لإقحام العراق في الصراعات، الإقليمية والدولية».

وترتب على هذا العدوان تطوران، أولهما ظهور قناعات لدى قطاعات عراقية واسعة تقول إن «عودة الحكومة العراقية إلى مفاوضات الانسحاب مع الأمريكيين أصبحت بعيدة الآن تحت وطأة الهجمات الأخيرة». وثانيهما تحرك أحزاب وفصائل «مقاومة» عراقية للتصعيد السياسي والعسكري ضد الوجود العسكري الأجنبي، على نحو ما دعا الشياع وهادي العامري رئيس منظمة «بدر» وهي شريك في «الحشد الشعبي» وتحالف «الإطار التنسيقي» الحاكم، للعمل على «إنهاء سريع للوجود العسكري الأجنبي في البلاد»، وعلى نحو ما ورد على لسان عادل عبد المهدي رئيس الوزراء الأسبق الذي توقع «نتائج كارثية للغارات الأمريكية»، ووصف واشنطن في بيان صحفي ب «المتغطرسة التي تتخبط في الشرق الأوسط».

هناك تطور ثالث أهم يؤثر سلبياً في وحدة الموقف العراقي، ويتعلق بالانقسام بين القوى والفصائل السياسية، بين ما هو أقرب إلى الموقف الحكومي الداعي إلى التهدئة والتوقف عن شن هجمات ضد المواقع الأمريكية للعودة ثانية إلى «مائدة الحوار» لبحث الانسحاب الأمريكي من العراق، إضافة إلى انقسام آخر بين المكونات السياسية حول من يرفضون الانسحاب الأمريكي من العراق، ومن يطالبون به، على نحو ما تكشف من جلسة مجلس النواب التي عقدت لمناقشة «الاعتداءات على السيادة العراقية.. وإخراج الأمريكيين» (12/2/2024) إذ تغيب معظم نواب السنة والأكراد ولم يحضر تلك الجلسة سوى 105 نواب من إجمالي 329 نائباً.

في ظل هذه التطورات والتداعيات هل سيعاود الأمريكيون الجلوس مرة ثانية، قريباً، على مائدة حوار مع العراقيين لبحث خروجهم من العراق؟ بوضوح أكثر: هل أضحت الظروف مناسبة لهذا الخروج الأمريكي في ظل تعقيدات الصراع في غزة ومخاطر تحول «الحرب المحدودة» مع العراق، إلى حرب إقليمية موسعة؟

وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية أجابت عن هذا السؤال، ولكن من منظور آخر هو الثمن الفادح الذي تدفعه واشنطن في الشرق الأوسط، بوجودها العسكري مقابل المكاسب المحدودة وفقاً لمعادلة «الفرص البديلة»، مشيرة إلى أن الخروج الأمريكي من الشرق الأوسط أضحى ضرورياً كي تستطيع واشنطن مواجهة التحديات الخطرة التي تواجه أمريكا في أوروبا، بخاصة مع الخسائر الهائلة للقوات الأوكرانية، وكي تستطيع مواجهة التحديات المتلاحقة في جنوب شرق آسيا، مؤكدة أن على الولايات المتحدة الخروج من الشرق الأوسط قريباً، بمجرد انتهاء الحرب في غزة «حتى تتمكن من المحافظة على النظام في أوروبا وآسيا».

كيف ستوازن الإدارة الأمريكية بين تلك التحديات والفرص لاتخاذ قرار يخص مستقبل وجودها العسكري في الشرق الأوسط؟

الإجابة عن هذا السؤال هي أهم التحديات التي تواجه الإدارة الأمريكية الآن.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى