رأي

تأمّلات في ذكرى أحداث 11 سبتمبر

كتب د. إدريس لكريني في صحيفة الخليج.

شكلت أحداث 11 سبتمبر لعام 2001 حدثاً كبيراً هزّ أركان البيت الأبيض، ولم تتوقف آثاره على الداخل الأمريكي بل تجاوزت هذه العمليات الإرهابية النوعية؛ المرتبطة بتحويل طائرات مدنية إلى ما يشبه صواريخ موجهة؛ لتلقي بتداعياتها السياسية والأمنية والاقتصادية على الساحة الدولية، حيث مثّلت محطة فارقة في تاريخ «الإرهاب الدولي» من حيث تمدد وتطور الظاهرة وتنامي خطورتها.

سمحت هذه الأحداث للمجتمع الدولي بالالتفات إلى أحد المخاطر العابرة للحدود والتي تقتضي قدراً كبيراً من التعاون والتنسيق الدوليين لمواجهتها، بعدما ظل العالم لعقود مشغولاً بظروف الحرب الباردة وبصراعاتها وأولوياتها العسكرية، كما كشفت أيضاً عن وهم القوة الضاربة للولايات المتحدة الأمريكية، وأبرزت أن امتلاك الأساطيل والصواريخ المزودة بالرؤوس النووية والقواعد العسكرية المنتشرة حول العالم، والتكنولوجيا العسكرية المتطورة، لا تشكّل حصناً ضد عدد من التهديدات.

ورغم قساوتها وتداعياتها الخطيرة على شتى الواجهات، سمحت الأحداث أيضاً بطرح أسئلة عميقة بصدد خطورة الإرهاب والعوامل المغذية له، وسبل مواجهته، وإن طغى على ذلك المقاربة الأمريكية وليس العالمية في غياب تعريف دولي محدد للظاهرة، كما أعادت موضوع السّلم والأمن الدوليين وما شهده من تطورات وتوسّع خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إلى واجهة النقاشات الدولية على المستويات السياسية والأكاديمية، في عالم لم تعد فيه الحدود السياسية حائلاً دون تمدد المخاطر العابرة للدول، كما هو الأمر بالنسبة للإرهاب وتلوث البيئة والجرائم الرقمية والأوبئة والأمراض الخطيرة، وهوما تكرّر مع جائحة «كورونا» خلال الأعوام الماضية.

وبحكم أن الأحداث مست أحد أقوى الأقطاب الدولية في عالم ما بعد الحرب البادرة، فقد فتحت بذلك المجال لطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل النظام الدولي ومآلاته، بعد انشغال الولايات المتحدة بالأحداث وتداعياتها، واختزال أولوياتها في مكافحة الإرهاب، ودخولها في مواجهات مع عدد من الدول التي اتهمتها بمساندة الإرهاب.
خلفت الأحداث انعكاسات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية ونفسية، وهذا أمر طبيعي إذا استحضرنا هول الأحداث، والمكانة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية على المسرح الدولي.
على المستوى العسكري، شكل استهداف وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وضرب قلب نيويورك، تحطيماً لأسطورة أمريكا الآمنة والقوية أو على الأقل إثبات نسبيتها، أما على المستوى الاقتصادي، فقد وردت معطيات وتقارير نشرت في حينه، تقدر خسائر الولايات المتحدة بثلاثة أضعاف ما تكبدته خلال الهجوم العسكري الياباني الكاسح على قاعدة «بيرل هاربر» في المحيط الهادي خلال الحرب العالمية الثانية، وثمن إجمالي الخسائر البشرية الأمريكية طيلة حربها في فيتنام.
لا تخفى أيضاً الآثار الناجمة عن إقدام العديد من الشركات غير الأمريكية على نقل رساميلها وعملياتها إلى خارج الولايات المتحدة، مخافة اتهامها بتمويل «الإرهاب»، فيما لقيت العديد من الشركات الأمريكية خسائر فادحة، جراء دعوة بعض فعاليات المجتمع المدني بدول عربية وإسلامية لمقاطعة السلع الأمريكية، بسبب بعض الانحرافات الحقوقية والسياسية التي سقطت فيها الإدارة الأمريكية خلال حملتها المتعلقة بـ«مكافحة الإرهاب».
أما على المستوى الدبلوماسي، فإن انشغال الولايات المتحدة بمشكلاتها المختلفة الناجمة عن العمليات، فوّت عليها فرصاً عديدة للتدخل بسبل مختلفة في العديد من القضايا الدولية البارزة كقضية الشرق الأوسط وغيرها.
ومع ذلك، كان الربح المعنوي والسياسي والاقتصادي كبيراً بالنسبة للولايات المتحدة عقب هذه الأحداث، فقد شكلت ذريعة «مكافحة الإرهاب» مناسبة لإدارة البيت الأبيض من أجل صرف النظر عن إخفاقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذا التموقع في مناطق استراتيجية وحيوية (أفغانستان مثلاً)، لم تتح لها من قبل.
من جانبها، ربحت إسرائيل تكريس المفهوم الأمريكي «لمواجهة الإرهاب» والذي يتعمّد الخلط بين العنف السياسي كعمل محرم ومجرم من جهة أولى، وممارسة حق الدفاع الشرعي ضد المحتل من جهة ثانية، فيما تم تشويه صورة الإسلام في الغرب، من خلال تكريس فزاعة «الإسلاموفوبيا»، وإحباط كل الجهود التي شهدها العالم بخصوص إرساء التسامح والتعايش والحوار بين مختلف الحضارات الإنسانية.
لا تخفى التداعيات السلبية للأحداث بالنسبة للسلم والأمن الدوليين بمفهومه الشامل، فبعد أن كان هناك اتجاه حثيث نحو خفض الإنفاق العسكري بسبب العولمة بعد نهاية الحرب الباردة، تزايدت حدة السباق نحو التسلح بشكل ملحوظ بعد الأحداث، كما تعرضت حقوق الإنسان وحرياته في عدد من دول العالم، للتضييق بذريعة مكافحة «الإرهاب».
ومع حلول ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، يعاد طرح الكثير من الأسئلة المتّصلة بمدى نجاعة الجهود التي راكمها العالم على امتداد أكثر من عقد ونصف من الزمن في سبيل الحدّ من ظاهرة الإرهاب.
الجهود الدولية المبذولة منذ أحداث الحادي عشر من شهر سبتمبر لعام 2001 وعلى أهميتها، تحتاج إلى مراجعة وتطوير، بصورة تقف على العوامل الحقيقية التي تغذّي الظاهرة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، وفي ارتباطها أيضاً بتزايد بؤر التوتر المزمنة والمنتشرة في مختلف بقاع العالم والتي توفر الفضاء الكفيل بتمركزها وتمددها (الظاهرة).
مكافحة الإرهاب تعتبر مسؤولية دولية جماعية ويفترض أن تتم في إطار من الشمولية، والتنسيق والتعاون الدوليين، بعيداً عن المبالغة في المقاربات الانتقامية والأحادية الضيقة التي طالما ساهمت في تنامي الظاهرة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى