رأي

بين مرشح تسلية ومرشح تسمية…ما هي المعضلة اللبنانية؟

منذ الثلاثين من شهر مايو/ أيار الماضي وكرسي الرئاسة في لبنان شاغر، انتهت ولاية الرئيس ميشال عون دون وجود بديل منتخب ضمن المهل الدستورية.

إحدى عشرة جلسة برلمانية عقدت دخلت في “اللاجدوى”. فغالباً ما يتعطل النصاب بسبب عدم حضور بعض الكتل أثناء التصويت  للجلسات المقررة سلفا أو للسبب الأهم وهو مواصفات الرئيس المقبول غير المعلنة بعد. فما الذي يحول دون انتخاب رئيس جديد للبلاد؟

محلياً، لا أحد من الأطراف يملك الطرف الآخر، واستمر الانقسام السياسي الحاد بين قوى 8 آذار و 14 آذار منذ العام 2005 في الاستفحال بعد الأزمة السورية عام 2011، كما أن وصول عدد من قوى التغيير إلى المجلس النيابي بعد اندلاع الثورة، حال بدوره دون انتخاب رئيس وأسهم في تعقيد الأمور أكثر فأكثر.

 شهد لبنان فراغا رئاسياً استمر سنتين خلال الحرب الأهلية بين عامي 1990-1992 وانتهى باتفاق الطائف وتغيير جذري للنظام السياسي. وبين أيلول / سمبتمبر2007 وأيار/مايو 2008 شهد لبنان أزمة مماثلة حصلت على إثرها تدخلات دولية وإقليمية ضاغطة وتسوية بين الأطراف اللبنانية انتهت بانتخاب ميشال سليمان الذي كان قائداً للجيش.

وبين تشرين الأول/ أكتوبر 2014 و نيسان/أبريل  2016 حصل فراغ رئاسي انتهى بقاعدة المناوبة على السلطة وبعد تفويض سياسي من حزب الله للتيار الوطني الحر وتبني القوات اللبنانية لمقولة “أوعى خيّك”.

القوى الإقليمية والدولية

على الرغم من استمرار جهود القوى الإقليمية لإيجاد مخارج لإتمام الاستحقاق الرئاسي وضمان حق هذا الفريق أو ذاك  وسط الكباش الحاصل بين القوى السياسية، فإن الاهتمام الدولي بلبنان بات ثانوياً؛ إذ تتجه الأنظار إلى الخطر الكبير المحدق بمستقبل الفلسطينيين الذين يتهددهم خطر حل الدولتين، ويتعمّق تأثير انهيار الجنيه على المشهد السياسي المصري، وتستمر الصراعات الحاصلة بين روسيا وتركيا في إرخاء ظلالها على المشهد الإقليمي، ليدخل كل ذلك على خط التعقيدات التي تشغل المحافل الدولية أكثر انشغالها بالأزمة اللبنانية. فالصراعات الداخلية اللبنانية باتت “ضرورة” والفراغ الرئاسي من “أسمى” قواعد القوى السياسية.

وبحسب مصادر مطلعة ل”رأي سياسي” فإن أي طرح لأسماء جديدة سيتم رفضها من قبل الخارج. إذ خلص مسؤولون دوليون بعد لقاءات عدة عقدت بين جهات دولية وإقليمية بمسؤولين لبنانيين أن ثمة حل وحيد يكمن بتأسيس تفاهم داخلي بين الأقطاب السياسية المتصارعة، تصبح فيه قادرة على تقديم التنازلات والمساومة.

فالأولوية الآن للملفين الفلسطيني والمصري وقد لا يقدم ولا يؤخر أي تصعيد كاستعراض النواب التغييريين داخل مجلس النواب، لأن الكلمة الفصل للقوى السياسية أولا، والقوى الدولية والإقليمية ثانياً.

العودة الى السيناريو الأرجح

تنتهي ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مايو/أيار المقبل، ومع اختلاف الكتل السياسية على مواصفات الرئيس المطلوبة، يصبح الشغور الرئاسي فراغاً قد يطول، فالشغور المرتقب في أكثر من موقع ماروني أساسي يشكل قلقاً للمسيحيين الذين يرون في غياب الرئيس غياباً للاعتدال الذي يحمي لبنان من الحروب الطائفية، كما أن غياب الثقل السني الذي كان يشكله سعد الحريري يشرّع الأبواب أمام مفاتيح التعطيل المستفيد منها الثنائي الشيعي، وعلى هذا الأساس ستبقى الساحة الرئاسية في حالة انتظار تنازل ما.

وسيقتصر عمل الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي على ملف الكهرباء كأولوية وحيدة مدعومة من جميع القوى في الداخل عدا حزب “التيار الوطني الحر” الذي خرج من معادلة “حزب الله” ؛ مما يمكن أن يقوي علاقة الأخير مع الطرف السني، خصوصاً مع الضغوطات الدولية التي تفرض عليه إيجاد شريك سني.

مشكلة لبنان

ان القوى السياسية التي تمثل الثنائي الشيعي لن تقبل برئيس يخضع للضغوط الأميركية. وقد وجه أمين عام حزب الله جملة من الرسائل السياسية في آن في آخر ظهور له، أوضح من خلالها أنه متمسك بترشيح رئيس حزب “تيار المردة” سليمان فرنجية” الذي ينص برنامجه الرئاسي على تكريس شرعية سلاح “حزب الله”.

في نظر قوى 14 آذار، فإن الحزب وحلفاؤه نجحوا في ايصال شخصية الى الرئاسة الأولى، وأن دورهم قد حان الآن لاتخاذ القرارات المصيرية في الشأن اللبناني من خلال تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية التي أضحى البلد من خلالها أسيراً لقرارات”حزب الله” وحلفائه.

أما التغييريون، فيقومون بتشتيت الأصوات بشكل يخدم الطرفين المتصارعين في انتظار تسوية تنهي جميع الاستعراضات التي تختبئ وراءها مهزلة الرئاسة.

إن المعضلة اللبنانية لا تكمن بانتخاب رئيس للجمهورية أو إجراء انتخابات نيابية  بموجب قانون “تحايلي” يطمس الإرادة الشعبية ويخدم السلطة، فهذه أمور دستورية. ولبنان بحاجة لإعادة هيكلة أسس النظام السياسي، ومن أهمها الدستور، وإيجاد سلة حلول متكاملة وتوليفة من المبادئ العلمية، وأي خفض لسقف هذا التفكير يؤدي حتماً الى الفشل الذي يستمر حتى اليوم. فالنظام السياسي المتهالك بات معوقاً للتغيير واستقرار البلد وإدارة اللبنانيين شؤونهم بأنفسهم إذ أن إقفال ملف الشغور الرئاسي ليس سهلاً ويغري دولاً أخرى بمزيد من التدخل في الشؤون اللبنانية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى