رأي

بين بيروتشيما وغزتشيا أحلام نتنياهوية.. هل هي ضائعة؟

كتب د.جيرار ديب, في “العرب”:

تدخّل الجانب الصيني في المنطقة إلى جانب المحور تحت ذريعة الحفاظ على مصالح ممرها يعيد خلط الأوراق

شهد مرفأ بيروت انفجارًا مدمّرًا الثلاثاء 4 أغسطس 2020، أُطلق عليه مصطلح بيروتشيما تشبيهًا بما حصل لمدينة هيروشيما من جرّاء الانفجار النووي عام 1945.

تعدّدت الروايات في ذلك التاريخ حول من يتحمّل مسؤولية التفجير، وتعطّل عمل القضاء بعد تدخّلات سياسية أدّت إلى تعليق عمل القاضي طارق البيطار إلى اليوم.

حمّلت بعض الجهات الدولة اللبنانية المسؤولية بسبب الإهمال المتعمّد بوجود كميات من مادة نيترات الأمونيوم مخزّنة لسنوات في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت دون أن تقدم على إعادة تصديرها.

فرضية أخرى احتلّت بقوة واقع التحليلات، هي التي اعتبرت أن التفجير ناتج عن صاروخ من مسيّرة إسرائيلية أدّى إلى حدوث الكارثة في المرفأ حيث قتل أكثر من 250 شهيدًا وجرح الآلاف، عدا عن تدميرٍ شبه كلي لمرفأ بيروت وللمنطقة المحيطة به.

لم تمضِ بضعة أيام حتى خرجت على اللبناني قراءات تربط بين التفجير الذي حصل في مرفأ بيروت وإحداث دمار شبه تام فيه، وبين الازدهار الكبير الذي كان من نصيب مرفأ حيفا في فلسطين المحتلة الذي تديره إسرائيل.

◙ الهجمات في البحر الأحمر لن تتوقّف طالما أن إسرائيل مستمرة في حربها على غزة وعلى ما يبدو أنها ستستمر طويلا في ظل التوترات الميدانية الحاصلة

لم يتوقف الأمر عند التحليل والقراءة، بل أخذت الأمور تتّجه أكثر نحو التأكيد على ضلوع أصابع إسرائيلية في الحادثة، وذلك بالربط بين دمار المرفأ وما حدث بعد السابع من أكتوبر وجحم الدمار والعنف الذي لحق بقطاع غزة بعد العملية التي نفّذتها حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة، ما يؤكد أن يد الإجرام واحدة.

يُعتبر ميناء حيفا من حيث الموقع الجغرافي والأهمية التجارية، أحد ثلاث موانئ بحرية في إسرائيل، والتي تتضمّن ميناء أسدود وميناء إيلات. وللميناء مرفأ طبيعي يمتدّ في المياه العميقة، ليضمّ السفن التجارية، وهو أكبر موانئ الشرق الأوسط من حيث حجم الشحن. فالمطلوب أن يصبح الميناء الرئيسي لربط آسيا بالعمق الأوروبي، ولكن كيف يتحقّق ذلك إن لم يقم الجيش الإسرائيلي بتمهيد الطريق؟

في الحرب الدائرة في العالم، والتي تشهد على انقسام عمودي واضح بين الشرق المتمثّل بالصين وروسيا وإيران ومن يدور في هذا الفلك وبين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، هناك حرب الموانئ. تلك الحرب التي بدأت معالمها تتجلّى أكثر وأكثر، بعد افتتاح الرئيس الصيني شي جينبينغ مشروعه “الحزام والطريق” عام 2013، الذي سيجعل من مدينة شينغهاي الصينية مركز العملات والتبادلات التجارية على غرار ما هي عليه اليوم نيويورك، وما كانت عليه لندن قبل الحرب العالمية الثانية.

طريق الحرير الصيني يأخذ من قناة السويس نقطة ارتكاز وتلاق للسلع القادمة من الصين والمصدرة إلى العمق الأوروبي. لهذا تواجه الصين تحديات كبيرة لحركة الملاحة لسفنها التجارية بعد الهجمات التي تشنّها حركة أنصارالله (الحوثي) في البحر الأحمر، ما دفع الصين لمطالبة جماعة الحوثي بإيقاف الهجمات التي تستهدف سفن الشحن في البحر الأحمر.

لن تتوقّف الهجمات في البحر الأحمر، طالما أن إسرائيل مستمرة في حربها على قطاع غزة، وعلى ما يبدو أنها ستستمرّ طويلًا في ظل التوتّرات الميدانية الحاصلة على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، بعد صاروخ مجدل شمس الذي كان أغلبية ضحاياه من الأطفال، الأمر الذي دفع بإسرائيل لتوجيه الاتّهام إلى حزب الله اللبناني وردّها على ذلك بتخطّي كافة الخطوط الحمر بضربها ضاحية بيروت الجنوبية واغتيالها المسؤول في حزب الله فؤاد شكر وعددا من المدنيين.

◙ أحلام كثيرة تقود النتنياهوية في الحرب الدائرة على قطاع غزة، وفي أولويتها السعي لتحقيق انتصار حقيقي يوازي حجم المعركة التي يخوضها

لم تكتفِ إسرائيل برؤية مرفأ بيروت مدمّرًا، بل شنّت في السابع من أكتوبر حربًا شاملة على قطاع غزة أدّت إلى ارتكاب جيشها جريمة العصر، حيث لم يزل عدّاد الموت يرتفع حتى تخطّى عتبة الأربعين ألف شهيد من الجانب الفلسطيني، عدا عن عشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين.

لا يختلف اثنان على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لديه جنون ولكن لديه في الوقت عينه أحلام يسعى إلى تحقيقها وتتمثّل في جعل ميناء حيفا نقطة الوصل بين الشرق والغرب.

وما حفّزه على تحقيق حلمه هو إعادة النظر في حفر قناة بن غوريون لتصبح قناةً بديلة عن قناة السويس. لهذا يجد البعض أن نتنياهو أخذ الضوء الأخضر في التنفيذ منذ مؤتمر نيودلهي في سبتمبر الماضي، عندما وقّع الحاضرون على مشروع “الممر الاقتصادي الهندي” الذي سيمرّ حتمًا بهذه القناة ليصل مرفأ حيفا بالمرافئ الدولية، وما انضمام إيطاليا إلى المشروع إلا دليل على أن ما تفعله النتنياهوية من إجرام بحقّ أهل غزة مع غضّ النظر الغربي والهندي على حدّ السواء، هو لتمرير المشروع وشقّ القناة انطلاقًا من تدمير القطاع وإعادة بنائه على قاعدة عدم إعطاء أيّ نفوذ لحركة حماس فيه.

وفي ما يخصّ اليوم التالي بعد الحرب، يتوقّع نتنياهو أن يكون جيشه قد استطاع القضاء على مقدرات حماس العسكرية، وإيجاد منطقة عازلة داخل القطاع وهي حتمًا القسم الشمالي منه. لهذا السبب كان ممرّ نتساريم في غزة الذي تأبى إسرائيل الخروج منه تحت أيّ ضغط، وهي تربط جميع مفاوضاتها للتوصل إلى تسوية من خلال الاعتراف الفلسطيني بأحقية إبقاء هذا الممرّ تحت سيطرة جيشها، البوابة الرئيسية لقناة بن غوريون.

أحلام كثيرة تقود النتنياهوية في الحرب الدائرة على قطاع غزة، وفي أولويتها السعي لتحقيق انتصار حقيقي يوازي حجم المعركة التي يخوضها كي يحاكي من خلاله الرأي العام الداخلي الإسرائيلي لضمان استمرار بقائه في الحياة السياسية بدل أن يحوّل إلى المحاكمة على قضايا فسادٍ وهدرٍ للمال العام، واليوم تضاف إليها قضايا مرتبطة بجرائم حرب صادرة عن ادعاءات من محكمة العدل الدولية التي أرجأت طلب الاعتقال لنتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت؛ فهل فعلًا ستتحقّق تلك الأحلام، أم إنها ستتعثّر لاسيما إن تدخّل الجانب الصيني في المنطقة إلى جانب المحور تحت ذريعة الحفاظ على مصالح ممرها والحفاظ على حضورها؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى