أبرزرأي

بين إغراءات طهران وأحلام إسرائيل: هل يدفع ترامب العالم نحو حرب كارثية؟

كتب يوسف عبد الرضا, في صحيفة الأخبار:

وافقت طهران على إجراء مفاوضات «غير مباشرة» مع واشنطن تناقش حصرياً الملف النووي الإيراني، وذلك ردّاً على رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي وجّهها الشهر الماضي إلى مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، السيّد علي خامنئي، والتي دعاه فيها لإجراء مفاوضات تاريخية بين البلدين تتجاوز كل المشاكل السابقة، ولكنها كانت في الوقت نفسه تحذيرية كونها الفرصة الأخيرة لطهران قبل اعتبارها دولة مارقة.

وفي المقابل، قدّمت إيران إغراءات اقتصادية كبيرة بمئات المليارات من الدولارات، ولكنها مشروطة بإيجابية الولايات المتحدة في المفاوضات، وهو ما عبّر عنه مستشار السيّد خامنئي، رئيس البرلمان الإيراني السابق علي لاريجاني، في تصريح علني له.
يُذكر أن الرئيس ترامب في ولايته السابقة عام 2018 كان قد ألغى من جانب واحد مفاعيل الاتفاق النووي الذي وقّعته إيران مع الدول الخمس زائداً واحداً عام 2015، ورفضت حينها إيران إجراء مفاوضات مباشرة معه بناءً على طلبه.

في انتظار ردّ الرئيس ترامب على الجواب الإيراني، أرسلت واشنطن إشارات متناقضة، كتناقض فريق العمل حول ترامب لمستقبل العلاقة مع إيران. فمن ناحية، أكّد موقع «أكسيوس»، المعروف بمصداقيته في تغطية أخبار الإدارة الأميركية، أن ترامب يميل إلى الردّ الإيجابي على مقترح طهران. ومن ناحية أخرى، تواصل الإدارة الأميركية ممارسة ضغوط عسكرية مكثّفة على طهران، في محاولة لاستعجال مفاوضات تريدها سريعة و«جدّية».

ويتجلّى جزء من هذا الضغط في القصف اليومي الذي تمارسه واشنطن على «أنصار الله» في اليمن، بينما تشجّع إسرائيل الرئيس ترامب على ضرب إيران وتسانده في ضغوطاته القصوى من خلال مواصلة اعتداءاتها على لبنان وما تبقّى من الجيش السوري، إلى جانب تنفيذها للمجازر المتكررة في غزة. هذه التحركات الإسرائيلية تهدف، وفقاً لمراقبين، واستناداً إلى تصريحات كبار قادة إسرائيل، إلى دفع أميركا لشن حرب على إيران والقضاء على قدراتها النووية والصاروخية والطائرات المُسيّرة، وهذا هو الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي المعلن، وفي الحد الأدنى، إذا سارت المفاوضات على غير رغبة إسرائيل، فإنها تكون قد أدّت إلى القضاء على أي إمكانية لإعادة بناء الجيش السوري واستعادة حزب الله لقوته، حسب تقديراتها.

فبين الإغراءات الاقتصادية الإيرانية وأحلام إسرائيل العسكرية، إلى أين سيميل ترامب؟ وأي خيار ستدعمه الدول العربية، الخليجية منها على وجه الخصوص؟ وأين تقف الدول الأوروبية الممتعضة من سياسات ترامب؟ وما هو موقف روسيا؟ وأين الصين من «هيجان الثور الأميركي»؟

من الواضح أن ترامب يسعى لتحقيق مكسب اقتصادي سريع بعد شهرين ونصف شهر من الفشل الذي أدّى إلى انهيارات في البورصة الأميركية، وصعود تاريخي في أسعار الذهب على حساب الدولار، ما يُنذر بانكماش اقتصادي كبير في البلاد. وتُظهر تحركاته أنه يعوّل على زيارته المقررة في شهر أيار/مايو إلى الرياض ليعلن، في يومه المئة في السلطة، عن إنجاز اقتصادي كبير يعوّض ما خسره نتيجة السياسات القصوى التي يفرضها على دول العالم.

مواقف الدول الخليجية تفسّر الكثير من المشهد. فالاتصالات الأخيرة بين قادة الدول الخليجية ونظرائهم الإيرانيين أكّدت تنصّلهم من دعم الخيارات العسكرية التي يلوّح بها ترامب. ومن مصلحة هذه الدول إجراء المفاوضات سريعاً، إذ إن أي حرب في المنطقة ستؤدي دون أدنى شك إلى ضرب اقتصاداتها. فهل كل دول الخليج على منوال واحد؟ أم أن لكل منها مصالحها الخاصة؟ الجدير بالذكر أن الرئيس ترامب اختار دولة الإمارات العربية المتحدة لنقل رسالته إلى إيران، كمكافأة لها على شراكتها الاقتصادية الوثيقة والمستجدّة منها بالتحديد مع الولايات المتحدة. ولكن اللافت للنظر، أن إيران اختارت سلطنة عُمان كوسيط، مكافأة لها على مواقفها الثابتة تجاه طهران.

فماذا عن الموقف الأوروبي مما يجري على هذا الصعيد؟ فقد عبّر وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو عن هذا الموقف حين قال: «الفرص ضئيلة للحل، والأمور تتجه أكثر نحو الحرب». هذا التصريح الأوروبي المبالغ فيه لا ينفصل عن مصالحها، إذ تدرك دول أوروبا أن أي اتفاق بين واشنطن وطهران سيخرجها من المعادلة الاقتصادية، بينما ستقطف واشنطن وحدها ثمار الاتفاق. دول أوروبا، التي تضرّرت بشدة من سياسات الرئيس الأميركي الاقتصادية والسياسية والعسكرية، يريدها ترامب أن تتحمّل أعباء الحرب الأوكرانية وحدها دون أن تحصل على أي مكاسب تُذكر، ما يزيد من امتعاضها تجاه الإدارة الأميركية.

الموقف الأوروبي المأزوم يريح موسكو، التي ترى في ذلك فرصة لدعم شراكاتها الاقتصادية مع إيران والولايات المتحدة على حد سواء. وتشير معلومات صحافية مقرّبة من دوائر سياسية مغلقة إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلعب دوراً محورياً في التقريب بين واشنطن وطهران، في محاولة لتأمين مصالح بلاده في المنطقة.
أمّا الصين، التي تُعدّ الهدف الأوّل والأخير لسياسات ترامب، فتتبع نهجاً حذراً. ترامب، في ولايته السابقة، ارتكب ما اعتبره البعض خطأ استراتيجياً بجعل إيران وروسيا والصين في تحالف واحد متماسك، إلا أنه في ولايته الجديدة يسعى لفصل إيران وروسيا عن الصين، دون أن يتحوّل التحالف الروسي-الإيراني إلى خطر مباشر على المصالح الأميركية.

السياسة الصينية، رغم قوتها الاقتصادية، تتّسم بالصمت الاستراتيجي، فأقصى ما قامت به بكين هو المشاركة في المناورة البحرية مع روسيا وإيران الشهر الماضي في خليج عمان، لكنها فضّلت الانكفاء سياسياً، بينما تستغل الفرص الاقتصادية التي أتاحتها السياسات الحمائية الأميركية لتقوية علاقاتها مع كوريا الجنوبية واليابان، المتضررتين من الرسوم الجمركية الأميركية، والتي تشكل علاقاتهما الاقتصادية بالنسبة للصين فرصة تاريخية نادرة.

الصين، التي تُدرك أن التصعيد الأميركي الحالي سيخلّف تداعيات سياسية واقتصادية، تفضّل تخفيض رأسها لمرور «الثور الأميركي»، انتظاراً لما سيؤول إليه المشهد العالمي لتكون لاحقاً المستفيد الأكبر والقاطف للثمار.
فبين مطرقة الاقتصاد وسندان العسكر، تُختزل أزمةٌ قد تُعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط. فإذا كانت طهران تلوّح بإغراء واشنطن لإنقاذ اقتصادها المحاصر، وإسرائيل تحرق الأوراق العسكرية لدفع ترامب نحو المواجهة، فإن العالم بأسره، من أوروبا الممتعضة إلى الصين الصامتة، يترقّب لحظة قد تُنهي عصر التفاوض لتبدأ حقبة المواجهات المفتوحة.

والسؤال الأكبر الآن: هل ستنجح الدبلوماسية في كسب الوقت، أم أن شبح الحرب سيُفاقم أزماتٍ اقتصاديةً عالميةً لا يحتاج إليها أحد؟ التاريخ يشهد أن المنطقة لم تتعافَ يوماً من حروبٍ اندلعت بقرارات لم تكن مفهومة… فهل تُكرر واشنطن سيناريو الأخطاء القديمة؟ الأيام القادمة قد تُجبر الجميع على خوض غمار الصراع، حتى أولئك الذين اعتقدوا بأن الحياد خيار آمن.
يبدو أن اللعبة الكبرى في المنطقة لم تعد حول من سينتصر، بل حول من سيتمكّن من تجنّب الهزيمة الأكثر كلفة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى