رأي

بوصلة بريطانيا التجارية – بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي

ترامب لا يرغب أن تكون المملكة المتحدة في فلك الاتحاد الأوروبي. وأي مسعى من جانب كير ستارمر باتجاه الاتحاد قد تفسره الولايات المتحدة عداء لها. مارتين كيتيل – The Guardian

إن معظم البشر يميلون إلى اعتبار الصفقة أمراً مرغوباً فيه في حد ذاته. وليس من الصعب فهم السبب. فالاتفاق أفضل عموماً من الاختلاف. وفي معظم جوانب الحياة، يعدّ التصافح وفقاً لقواعد مشتركة أمراً منطقياً. لذا، يتطلب الأمر بعض الجهد للتفكير بموضوعية أكبر. ولكن من المهم القيام بذلك الآن، وخاصة في حالة اتفاقية التجارة المقترحة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

قبل أن يعود دونالد ترامب إلى الرئاسة، وقبل أن تبدأ الولايات المتحدة حروبها الجمركية الحالية بوقت طويل، كانت هناك بالفعل أسباب كثيرة للحذر بشأن شكل اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة. وفي أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تركزت هذه المخاوف على إمكانية إبرام اتفاقية، وتسويقها محلياً، بشأن قضايا التجارة الثنائية، مثل الأدوية والمنتجات الغذائية والتنظيم الرقمي، وهي قضايا لطالما طُبقت عليها معايير وافتراضات مختلفة تماماً على جانبي الأطلسي.

ولم يزل هناك بعض الخطوط الحمراء في عهد ترامب. ولكن هذا لا يعني أنه لن يكون هناك اتفاق بريطاني-أمريكي. ومع ذلك ألقى نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، هذا الأسبوع، قنبلة أخرى في وجه المفاوضات. فبعد وقت قصير من تداول أنباء واسعة النطاق عن قوله إن هناك “فرصةً جيدة” لاتفاقية تجارية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، نُقل عن فانس قوله أيضاً شيئاً أقلّ تهذيباً. ونُقل عن مصادر مقربة من نائب الرئيس قوله إنه سيصرّ على أن تُلغي بريطانيا قوانين خطاب الكراهية ضدّ مجتمع الميم كثمن للاتفاقية.

وإذا كانت هذه هي رؤية الإدارة الأمريكية حقاً، فسيكون ذلك مثالاً صارخاً على نظرة البيت الأبيض إلى الصفقات التجارية. وقد تظهر مؤشرات أكثر موثوقية على نهج واشنطن من محادثات التجارة هذا الأسبوع بين الولايات المتحدة واليابان. فاليابان، في نهاية المطاف، حليف عسكري قديم للولايات المتحدة ومستثمر رئيسي فيها. كما كان لها سجل ملحوظ في تفادي مخاطر ترامب خلال ولايته الأولى. ومع ذلك، لا تزال اليابان تواجه رسوماً جمركية أمريكية “متبادلة” بنسبة 24%.

إن عدم الانتقام من الولايات المتحدة هو رد فعل متأصل في لندن. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن الصفقة، بالنسبة لترامب، كانت دائماً وسيلة لتأكيد سلطته؛ ففي صفقات ترامب، لا بد أن يكون هناك رابح، ويجب أن يكون هو الرابح. ويكمن الخطر على بريطانيا في أننا، إذ ننخدع بالتفكير الكسول الذي يقول إن بريطانيا جسر فريد بين الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ليس كذلك، وأن اتفاقية التجارة مرغوبة بطبيعتها، والأمر ليس كذلك، نسير في طريقنا إلى أن نصبح من الخاسرين.

لقد كانت هناك دول في الماضي تفكر في التجارة بنفس الطريقة التي يفكر بها ترامب اليوم. وقبل الحرب العالمية الأولى، عندما كانت بريطانيا القوة المهيمنة عالمياً، اهتزت سياستنا بنفس الحجة. أراد مؤيدو الرسوم الجمركية، بقيادة جوزيف تشامبرلين، أن ترفض بريطانيا التجارة الحرة وتفرض سيطرتها من خلال اتفاقيات ثنائية تُبرم بشروطها. وفي عهد ترامب، أصبحت الولايات المتحدة، وليست بريطانيا، القوة المهيمنة عالمياً اليوم، وتستخدم النهج نفسه.

إن هدف ترامب الأساسي هو تغيير نظام التجارة العالمي كما كان قائماً منذ عام 1945، بنهجه التعددي القائم على القواعد (وهي قواعد لطالما صبّت في مصلحة الولايات المتحدة). وتهدف حرب الرسوم الجمركية إلى تقويض نظام، مهما كانت عيوبه ونواقصه، ساهم في نمو التجارة العالمية وازدهارها لعقود. وبدلاً من ذلك، يسعى ترامب إلى نظام تجاري عالمي قائم على مبدأ “القوة حق”، كما تمثله الولايات المتحدة.

وهذه ليست حجة لرفض بريطانيا أي اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة اليوم. إذ لا تزال هناك مبررات قوية لاتفاقية محدودة، إذا أمكن التفاوض عليها. لكن يجب النظر إلى التجارة الحرة مع الولايات المتحدة على حقيقتها. وبالنسبة لبريطانيا، لا يمكن لاتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة في عهد ترامب إلا أن تكون دفاعية في جوهرها. وينبغي النظر إليها كوسيلة لحماية المصالح التجارية البريطانية. فهي ليست مفتاح تحقيق ازدهار المملكة المتحدة. بمعنى آخر، ستكون تكتيكية لا استراتيجية.

إن الولايات المتحدة لن تكون أبداً المحرك الأكبر للنمو الاقتصادي البريطاني. ولا شك أن التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، حتى في عهد ترامب، مهمة لبعض المصدّرين، بما في ذلك صناعة السيارات البريطانية. لكن أي مكاسب أوسع نطاقاً لن تكون جوهرية أبداً؛ بل مجرد كسور من نقطة مئوية واحدة على مدى عقد من الزمن، في أحسن الأحوال. وهذا يتضاءل بالمقارنة مع التجارة الحرة مع أوروبا.

ويجادل كير ستارمر باستمرار بأن بريطانيا ليست مضطرة للاختيار بين الولايات المتحدة وأوروبا. لكن ما يغفله هذا الادعاء هو أن اتخاذ بريطانيا أي خيار إيجابي يتعلق بأوروبا، حتى لو كان متواضعاً، يُنظر إليه اليوم في واشنطن على أنه خيار ضد الولايات المتحدة.

وبنفس الطريقة، يسعى ترامب إلى إخراج المملكة المتحدة من فلك الاتحاد الأوروبي بأي طريقة ممكنة. لذا فإن أي جهد من جانب ستارمر لإعادة ضبط علاقات المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي يُنظر إليه على أنه عمل عدائي من منظور إدارة ترامب. كما سيبذل مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قصارى جهدهم لتشجيع البيت الأبيض، وهو ما قد يفسر ادعاء صحيفة ديلي تلغراف يوم الأربعاء بأن ستارمر على وشك التحالف مع الاتحاد الأوروبي بشأن قواعد الغذاء والطب البيطري.

إن إعادة ضبط التجارة مع أوروبا هو أحد مفاتيح النمو الاقتصادي الذي أطلق شعاره ستارمر. ولكن مؤيدي حزب العمال المؤيدون لخروج بريطانيا من الاتحاد، والمشجعين على الاتفاق مع البيت الأبيض يشكلون عائقاً أمام الحكومة. وفي ظل التحديات التجارية والوعود الاقتصادية فقد يحصل الاتفاق مع الجانب الأمريكي.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى