رأي

بوريس جونسون والإفلاس الأخلاقي

كتب عمر عليمات في صحيفة الدستور.

لم يأت أحد من قبل بما جاء به بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا السابق، حين ربط بين موت الحضارة الغربية وبين حظر مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، إذا استثنينا وعد بلفور الذي تضمن تأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

جونسون في مقال له في صحيفة الديلي ميل البريطانية يقول رداً على نواب بريطانيين وقعوا رسالة تحث الحكومة على حظر مبيعات الأسلحة لإسرائيل: «إذا كنت تريد مثالاً على رغبة الحضارة الغربية في الموت، فإنني أقدم لك الاقتراح الحالي من أعضاء المؤسسة البريطانية بأن هذا البلد يجب أن يحظر مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل».

جونسون في مقاله تحدث عن ثلاثة أمور رئيسية، الأول هو البُعد الأخلاقي باعتبار التخلي عن إسرائيل يعني السماح بتدميرها، والثاني أن حماس هي من خططت لدفع إسرائيل إلى الرد العنيف واستخدام موت ومعاناة الفلسطينيين، وتعظيم آلامهم وحزنهم من أجل حشد الرأي العام الدولي ضد إسرائيل، والأمر الثالث أن إسرائيل تحاول تقليل سقوط ضحايا مدنيين عبر التأكد من وجود نوع من التناسب بين الأهداف العسكرية وخطر المعاناة الإنسانية.

اللافت في هذا المقال أن جونسون يربط بين بقاء الحضارة الغربية وبين استمرار تزويد إسرائيل بكل أنواع الأسلحة الفتاكة التي تقتل البشر والحجر والشجر، فهذه السردية تختصر حالة البؤس الأخلاقي الذي يرى في قتل الناس دون استثناء حالة ضرورية لاستمرار الحضارة الغربية ومبادئها وقيمها، وكأنه يؤكد بأن حضارتهم قامت على سفك الدماء الحروب التدميرية.

جونسون يختصر الصراع الفلسطيني بستة أشهر منذ تاريخ 7 أكتوبر، فقد تجاهل تماماً سبعة عقود من الصراع، الذي نتج عنه ملايين اللاجئين والنازحين والمشردين وآلاف القتلى والمعتقلين، ناهيك عن ضرب إسرائيل بعشرات القرارات الدولية عرض الحائط وكأنها فوق القانون تفعل ما تشاء وقتما تشاء.

بصيرة جونسون لم تسعفه في التطرق لما يتعرض له الفلسطينيون في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية من انتهاك واضح لكل حقوق الأنسان بشكل منتظم منذ سنوات طويلة عبر نظام الأبارتهايدوالقوة المفرطة والقتل والاعتقال التعسفي والاعتقال الإداري والتهجير القسري وهدم المنازل ومصادرة الأراضي والموارد وعشرات الحواجز التي تنتهك كل يوم كرامة وأدمية الفلسطينيين، ناهيك عن تحويل غزة لأكبر سجن مفتوح في العالم لأكثر من 17 سنة متواصلة.

رئيس الوزراء البريطاني السابق يتحدث باعتبار حظر الأسلحة انتهاكاً للأخلاق، ولكنه لم يلتفت إلى الأخلاق والمبادئ الإنسانية عندما يقتل أكثر من 32 ألف أنسان جلهم من الأطفال والنساء، ولا عندما يمارس التجويع باعتباره أداة حربية، ولا عندما تقصف المستشفيات والمدارس ودور العبادة، ولا عندما يستهدف طواقم المنظمات الدولية ولا عندما يصرخ العالم بكافة دياناته وأعراقه وأجناسه بأن إبادة جماعية تمارس في غزة.

قلم جونسون الذي كتب به المقال أعور وعنصري لا يرى إلا ما تراه إسرائيل، بعين واحدة رأى السابع من أكتوبر وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنه أغمض الأخرى عن 25 ألف طن من المتفجرات التي ألقيت على غزة بمعدل 70 طناً لكل كلم2، وهذا ما يعادل مرتين من قوة القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما.

باختصار، مقال جونسون يطفح بالعنصرية والانبطاح المقيت لإسرائيل، والتبرير الأعمى لتصرفاتها، وسوق الحجج والبراهين الواهية، وكان من الأجدر به أن لا يطيل الكتابة ويبذل كثيراً من الجهد ويضيع وقته، فما كان عليه إلا القول: «أبيدوا الغزيين عن بكرة أبيهم فهم لا يستحقون الحياة مثل باقي البشر، وكل مَن يعترض على ذلك عديم الأخلاق» وعندها تكون رسالته العنصرية واللاإنسانية وصلت فخير الكلام ما قل ودل.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى