بوتين يستجيب بعد 33 سنة لرسالة الخميني إلى غورباتشوف
كتب طوني فرنسيس في “اندبندنت” عربية:
بعد 33 سنة على رسالة الخميني إلى الزعيم السوفياتي الأخير ميخائيل غورباتشوف، يبدو أن خليفة الأخير على عرش روسيا الرئيس فلاديمير بوتين يستجيب لما طرحه الزعيم الإسلامي الإيراني الراحل، فيترك الغرب ورأسماليته ويلتحق بالنصيحة الخمينية الواردة في الرسالة ومؤداها “إذا أردتم أن تحصروا جهودكم لحل العقد المستعصية في الاقتصاد الاشتراكي والشيوعي باللجوء إلى مركز الرأسمالية الغربية، فاعلموا أن نتيجة ذلك لن تنحصر في العجز عن معالجة شيء من آلام شعبكم، بل ستتجاوز ذلك إلى إيجاد حال تستلزم مجيء من يعالج آثار أخطائكم”.
استغرق الأمر وقتاً طويلاً وتحولات جيو-سياسية تاريخية لتصل العلاقات الروسية – الإيرانية إلى ما وصلت إليه.
بعد رسالة الخميني في خريف 1989 بقليل انهار الاتحاد السوفياتي، وكان على ضابط الأمن في جهاز الاستخبارات السوفياتية السابق أن ينتظر عقداً من الزمان ليتسلق إلى أعلى منصب في الجمهورية الروسية الجديدة، وليجد نفسه بعد 20 سنة من السلطة شبه المطلقة في مواجهة شاملة مع الغرب وعلى رأسه أميركا وأوروبا، ثم ليذهب إلى خليفة الخميني ويقيم معه ما يشبه تحالفاً استراتيجياً ضد “مركز الرأسمالية الغربية”.
حول ما جرى في قمة طهران الأخيرة تتفق وجهتا نظر قادمتان من موقعين مختلفين بل متناقضين، وجهة النظر الأولى تعبر عن أجواء روسية محيطة بالكرملين، ووجهة النظر الأخيرة تحمل رأي باحثة في “معهد واشنطن” القريب من دوائر صنع القرار في العاصمة الأميركية.
ترى الصحافية الروسية يوليا بوزيك في تحليل تولى نشره موقع “روسيا اليوم” الحكومي أن زيارة بوتين إلى إيران هي “الأكثر أهمية على مدى فترة حكمه قاطبة”، ولم تول الكاتبة أهمية للقمة الثلاثية التي حضرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بل اعتبرت بطريقة ما الزعيم التركي خصماً يتعرض لضغوط الحرس الثوري ومن ورائه الروس في العراق وسوريا.
كان أردوغان قد جاء إلى طهران لبحث القضايا المتعلقة بسوريا، خصوصاً توغله الجديد المؤجل فيها بذريعة مكافحة إرهاب “حزب العمال الكردستاني”، إلا أن “وراء حزب العمال الكردستاني يقف الحرس الثوري الإيراني مبتسماً وملوحاً بيديه، أو بالأحرى فيلق القدس بأفرعه وشبكاته، وكذلك موسكو، بمعنى أنه سيتعين على أردوغان التعامل مع طهران وموسكو في هذا الملف”، على قول التحليل الروسي.
التجهم والعبوس لازما الرئيس التركي طوال زيارته إيران، خصوصاً أنه استمع إلى كلام واضح من خامنئي برفض العملية في سوريا، وبدا واضحاً أن القمة التي انعقدت في إطار أستانا السوري لم تكن سوريا أبرز عناوينها، عدا ضبط رغبات تركيا، فخامنئي كان قد “أوقف المفاوضات النووية بانتظار وصول بوتين حاملاً حزمة المقترحات الروسية” ليبني على الشيء مقتضاه، والرئيس الروسي جاء ليقنع خامنئي البراغماتي كي ينتقل استراتيجياً إلى الفلك الروسي”.
واستعد الرئيس الروسي جيداً لإغراء الزعيم الإيراني، وقبل وصوله أطلق الممر بين بلاده والهند عبر إيران، وهو المشروع الذي كان مطروحاً منذ عهد أحمدي نجاد، لكن روسيا جمدته.
اقرأ المزيد
فائزة رفسنجاني: والدي حاول إقناع الخميني بوقف الحرب مع العراق
بعد قمة طهران هل تعقد روسيا وإيران تحالفا استراتيجيا؟
النظام الإيراني والخوف من التغيير
وفي الـ 11 من يوليو (تموز) انتشرت الأخبار عن عزم موسكو شراء طائرات إيرانية مسيّرة لأغراض عسكرية، وفي الـ 15 من الشهر ذاته وقع بوتين قانوناً في شأن التجارة الحرة بين إيران والاتحاد الأوراسي الذي يعتبره بديلاً للاتحاد الأوروبي.
وفي أعقاب الزيارة وخلالها قيل إن روسيا ستستثمر 7 مليارات دولار في حقل أزاديغان على الحدود الإيرانية -العراقية، مما يسمح لإيران وروسيا ببيع نفطه على أنه نفط عراقي، لكن بما أن ذلك لا يتفوق على العرض الأميركي في حال العودة للاتفاق النووي، قرر بوتين أن يرفع جدية رهانه في “الكازينو السياسي” المفتوح بدفع الشركة الروسية العملاقة “غازبروم” إلى توقيع مذكرة تفاهم مع شركة النفط الإيرانية بقيمة 40 مليار دولار، وبموجب المذكرة تخطط الشركة الروسية للاستثمار في حقول غاز “كيش” وشمال بارس وجنوبه.
كانت “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية والصينيون يقاتلون من أجل هذه الحقول، وفشل الصينيون على الرغم من صفقتهم السرية الضخمة مع إيران في الحصول على جنوب بارس، وإذا ما نجحت الاتفاقات الروسية – الإيرانية فسنكون “أمام أقوى احتكار للغاز في العالم تحت سقف روسي”، على قول التقرير الذي أورده موقع “روسيا اليوم”.
إغراءات بوتين قابلها خامنئي بتعاطف سياسي، إذ قدم المرشد الإيراني دعماً لسلوك بوتين في أوكرانيا، “فإذا لم تكن روسيا قد اتخذت زمام المبادرة لكان الطرف الآخر بادر بشن الحرب”.
الطرف الآخر ليس بحسب خامنئي سوى “حلف الـ ’ناتو‘ هذا الكيان الخطر”.
وفي تقرير “معهد واشنطن” الذي أعدته الباحثة أنا بورشيفسكايا استنتاجات قريبة من التقرير الروسي، فالزيارة لطهران هي الأولى لبوتين خارج أراضي الاتحاد السوفياتي السابق منذ الحرب على أوكرانيا، ولقاؤه خامنئي أكثر من رسالة إلى الغرب، فقد جرى في المبدأ تفادي الحملة التركية في سوريا ولو موقتاً، وحسم خامنئي موقفه الداعم لبوتين في أوكرانيا وأُبرمت صفقات ضخمة بين البلدين.
الاستنتاج الرئيس من هذا التقارب الروسي – الإيراني هو أن روسيا لن تنفصل عن سياسة إيران في سوريا، وربما تتغاضى عن مشروعها في لبنان، وفي العراق ستكون إلى جانبها في مناكفاتها مع الأميركيين والأتراك.
وفي المقابل حرصت تركيا غداة القمة على قصف مواقع في العراق، وردت إيران عبر شبكاتها العراقية بقصف مواقع تركية، وتبرع موقع إيراني بالقول مع انفجار الخلاف الروسي – الإسرائيلي حول قضية الوكالة اليهودية بالقول إن روسيا سلمت منظومات الدفاع الجوي في سوريا “أس-300″ و”أس-400” إلى ضباط سوريين.
كان ذلك جزءاً من مناكفات الشركاء من دون أن تسفر منازعاتهم عن تغيير في وجهة التركيز الأولى، ولقد حرص بوتين على توجيه الشكر إلى السعودية والإمارات لعرضهما المساعدة في الحوار من أجل تسوية في أوكرانيا، وأعلن ذلك من طهران نفسها، وحرص الإعلام الروسي على إعادة تأكيد الخبر ونشره بعد أيام من انتهاء الزيارة، وكان بوتين حريصاً على الموازنة بين “حلفه الاستراتيجي” مع إيران وبين العلاقات الجيدة التي نسجها مع الخليج، لكن كل العملية ستكون خاضعة للاختبار خلال الأشهر القليلة المقبلة، فالبرنامج النووي الإيراني مستمر خارج الاتفاق، وسيواصل خامنئي المساومة مع الأميركيين والأوروبيين حتى اللحظة الأخيرة، وسيكون له هذه المرة ما يساوم عليه، فهو سيمتحن “التقديمات الروسية” ليرى إن كانت مؤثرة أم لا، وفي المقابل سيكون لدى بوتين ورقة إيران، لكن اعتماد روسيا على إيران كحليف وحيد في لعبة دولية كبرى يصعب أن يؤدي إلى نتائج باهرة، فالصين الحليف القوي الآخر لا يبدو أنها متحمسة وأوقفت العديد من المشاريع في روسيا وإيران ضمن مناخ التوتر الدولي السائد.