رأي

بوتين وكيم.. وتحدي الغرب

في إطار الصراع المحتدم على مساحة العالم من خلال الحروب والصراعات والحصار والعقوبات الاقتصادية والسياسية، وتشكيل التحالفات العسكرية لتغيير النظام الدولي الراهن الذي تتفرد الولايات المتحدة بقيادته، تأتي زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية وتوقيعه «اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة» مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، ثم زيارته إلى فيتنام، لتعلن عن مرحلة جديدة في هذا الصراع، ويدخل العالم معها في حالة من عدم اليقين عما يمكن أن يؤول إليه الوضع مستقبلاً، خصوصاً أن الاتفاقية تتجاوز اتفاقيات الشراكة العادية، لأن مضمونها يعني تحدي الغرب وعقوباته ومحاولة عزل البلدين عن العالم باعتبارهما «يتمردان» على النظام الدولي القائم ويشكلان خطراً على القواعد التي يقوم عليها هذا النظام، تماماً كما هو حال الصين التي تشكل «التحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية لأمريكا» وفق استراتيجية الأمن القومي الأمريكي.

من الطبيعي أن تثير « اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة» مخاوف وقلق الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، خشية أن تؤدي إلى قيام بيونغ يانغ بتزويد موسكو بالذخائر التي تحتاج إليها في حربها ضد أوكرانيا، وإقامة تعاون بين البلدين في مجال تبادل الخبرات النووية.

الاتفاقية الجديدة جاءت بديلاً للاتفاقية الموقّعة بين كوريا الشمالية والاتحاد السوفييتي السابق عام 1961، وللاتفاقية التي كان وقّعها بوتين خلال زيارته الأولى لبيونغ يانغ عام 2000، لكنها هذه المرة تتضمن بنداً أمنياً مهمّاً يدعو إلى التدخل العسكري التلقائي في حال تعرض أحد البلدين للعدوان، وهو يشبه البند الخامس في معاهدة حلف الأطلسي الذي ينص على أن أي اعتداء مسلح ضد عضو أو عدة أعضاء من الحلف في أمريكا الشمالية يعد عدواناً عليهم جميعاً.

الزعيمان الروسي والكوري الشمالي وصفا الاتفاقية بأنها ترقية كبيرة ومهمّة في علاقاتهما، بما في ذلك العلاقات الأمنية والتجارية والاستثمارية والثقافية والإنسانية، وقال كيم إن البلدين تربطهما «صداقة نارية»، وإن الاتفاقية «أقوى معاهدة بينهما على الإطلاق»، وتعهد بتقديم الدعم لروسيا في أوكرانيا.

وبما أن التحالفات العسكرية والأمنية والسياسية هي جزء من الصراع، فإن التحالف الجديد بين روسيا وكوريا الشمالية، والاستراتيجية الشاملة التي أعلنت أمس في هانوي بين الرئيس بوتين والرئيس الفيتنامي تاو لام يدخل في هذا الإطار، تماماً كما تسعى الولايات المتحدة إلى إقامة تحالفات في شرق آسيا والمحيط الهادئ على غرار اتفاقيتي «كواد» بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، و«أوكوس» بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا.

لقد سعت الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة إلى جذب فيتنام إلى صفها في مواجهة الصين وروسيا من خلال إغرائها بمنافع اقتصادية، إلا أن هذه الجهود لم تثمر، إذ أصرّت هانوي الإبقاء على علاقاتها التاريخية مع كل من موسكو وبكين وعدم الانخراط في تحالفات معادية لهما. وقد أكد الرئيس الفيتنامي أمس ضرورة «قيام نظام عالمي عادل قائم على ميثاق الأمم المتحدة، وحل النزاعات بالطرق السلمية»، ما يدل على فشل المحاولات الأمريكية.

إن جولة بوتين التي شملت كوريا الشمالية وفيتنام، وما أسفرت عنه من نتائج تعتبر تحدياً للغرب في كسر الحصار المفروض عليه وعلى روسيا، وقدرته على إنجاز تحالفات في مواجهة التحالفات الغربية.

المصدر: الخليج

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى