«بوتين الخامس»
تشهد روسيا لثلاثة أيام، بدءاً من يوم أمس وحتى الغد، انتخابات رئاسية هي الثامنة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، ويتنافس فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كمرشح مستقل، وليس كمرشح ل«حزب روسيا الموحدة» الحاكم، وثلاثة آخرون حزبيون هم: ليونيد سلوتسكي (الحزب الليبرالي الديمقراطي)، ونيكولاي خاريتونوف (الحزب الشيوعي)، وفلاديسلاف دافانكوف (حزب الناس الجديد).
ليس من المتوقع حدوث أي مفاجأة في هذه الانتخابات، ذلك أن المنافسين الثلاثة لبوتين هم من مؤيدي سياسات الكرملين تجاه الحرب الأوكرانية، وأيضاً تجاه خياراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى أن شعبية بوتين تزايدت خلال العامين الماضيين بعد الحرب الأوكرانية. بمعنى أنه لا توجد منافسة حقيقية أو معارضة يمكن الاعتداد بها، قادرة على تغيير المشهد السياسي والانتخابي، خصوصاً بعدما تم رفض طلبات اثنين من مرشحي المعارضة المناهضين لحرب أوكرانيا هما: بوريس ناديجين، ويكاترينا دونتسوفا، لعدم اكتمال أوراق ترشيحهما، ووجود مخالفات في جمع التواقيع المطلوبة لدعم الترشيح.
قبيل موعد الانتحابات وجّه بوتين، رسالة إلى الشعب الروسي يدعوه فيها إلى التصويت بقوة، لأنه «من الضروري تأكيد وحدتنا وتصميمنا على المضي قدماً معاً، كل صوت من أصواتكم له قيمة وأهمية، لذلك أحثكم على ممارسة حقكم في التصويت لمرشحكم المختار في الأيام الثلاثة المقبلة». مؤكداً، «أن المصدر الوحيد للسلطة هو الشعب».
إن سعي بوتين للفوز بولاية خامسة حتى العام 2030 في المنصب الذي شغله للمرة الأولى عام 2000 خلفاً للرئيس السابق بوريس يلتسين، يستند إلى تاريخ من الإنجازات الداخلية، وتحديداً إخراج روسيا من حالة «الموت السريري» التي عانتها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، ووضع حد للفوضى التي رافقها ارتفاع مستوى الفساد والجريمة، وتعميق الأزمات المعيشية وانهيار الاقتصاد الذي واكب عمليات الخصخصة، ما أسفر عن انهيار العملة الوطنية (الروبل) عام 1998، وبروز المافيات والمحسوبيات، وانخفاض القدرات الدفاعية للجيش الروسي، ووصول نخبة من رجال الأعمال إلى الحكم وسيطرتها على أهم مرافق الصناعة والاقتصاد، والأخطر من كل ذلك، أن روسيا خرجت من النظام الدولي كقوة كبرى، وتركت الساحة للولايات المتحدة تفرض عليها سطوتها وهيمنتها.
كل ذلك وضع بوتين حداً له، وأعاد إلى روسيا هيبتها وقوتها، واسترجع ما فقدته من مكامن القوة، وهو الآن يسعى لفترة رئاسية جديدة لاستكمال المهمة التي بدأها في المضي قدماً بعملية استعادة دور روسيا، في أن تشكل قوة سياسية واقتصادية وعسكرية تشارك في نظام عالمي جديد أكثر مساواة وعدالة ومسؤولية، وفي مجابهة المخاطر التي تواجهها روسيا نتيجة ما تتعرض له من حصار اقتصادي، نجح حتى الآن في تجاوزه، ومن حرب يقودها حلف الأطلسي بالوكالة في أوكرانيا، ونجح أيضاً في إفشالها.
ورغم حملات التشكيك الغربية بالانتخابات والحديث عن أنها «شكلية» و«غير ديمقراطية»، وسعي بوتين «المستبد» لحكم أمة يبلغ عدد سكانها 146 مليون نسمة مدى الحياة، حسب «صحيفة واشنطن بوست»، إلا أن ذلك يدخل في إطار حملة غربية لتشويه الانتحابات وصورة بوتين، الذي يتوقع أن يفوز بأكثر من 80 في المئة من الأصوات، حيث من المتوقع أن تبلغ نسبة التصويت أكثر من 70 في المئة وفق استطلاعات الرأي.
المصدر: “الخليج”