رأي

بن سلمان يراهن على عودة الجمهوريين إلى الكونغرس والبيت الأبيض

كتب سركيس نعوم في “النهار”:

يبدو واضحاً للعيان في الشرق الأوسط كما في العالم، أن المملكة العربية #السعودية ليست مرتاحة الى علاقتها مع #الولايات المتحدة منذ تولي #جو بايدن الرئاسة فيها في الثلث الأخير من شهر كانون الثاني عام 2020. والأسباب معروفة وقد تحدّثت عنها وسائل الإعلام الأميركية وأخرى كثيرة غيرها في العالم وحتى في الشرق الأوسط. هي تبدأ بحرب اليمن التي شنّها وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان قبل نحو سبع سنوات من دون استشارة واشنطن، وتمرّ بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول وتحميل الأميركيين مسؤولية ذلك مباشرة أو مداورة له، وتنتهي ببرودة شديدة في العلاقة بين الدولتين الحليفتين منذ أيام مؤسّس المملكة عبد العزيز آل سعود في منتصف القرن الماضي تقريباً. ما زاد في برودة العلاقة تعمّد بايدن خلال سنة أو أكثر من وجوده في الحكم إهمال وليّ العهد السعودي وعدم التعاطي معه رغم حاجة دولتي الاثنين الى تشاور وتعاون مستمرّين في الظروف الدقيقة التي يمرّ بها الشرق الأوسط، ثم الظروف الدولية الصعبة التي تسبّبت بها حرب روسيا على أوكرانيا في 24 شباط الماضي.

ما زاد في برودتها أيضاً تصرّف بن سلمان بطريقة مماثلة تعبيراً عن انزعاجه من الإهمال المذكور، إذ رفض طلب بايدن من بلاده زيادة إنتاج النفط تلافياً لزيادة أسعاره من جرّاء الحرب على أوكرانيا، وامتنع عن الاشتراك في فرض العقوبات على روسيا بسببها، وزاد من انفتاحه على الصين القادرة وحدها وإن على مدى طويل على منافسة الولايات المتحدة على زعامة العالم أو على مشاركتها فيها. ربّما تكون جهود بايدن لإحياء الاتفاق النووي مع إيران الإسلامية دفعت بن سلمان الى التخوّف من انعكاس ذلك على بلاده ودورها من جرّاء العداء الشديد بين الدولتين الخليجيتين العربية والإيرانية.

هل يعني ذلك أن المملكة العربية السعودية ستسير في خط إضعاف التحالف مع أميركا بالاعتماد على روسيا رغم “غلطتها” الكبيرة في أوكرانيا أو على الصين، وحتى بالانفتاح على إيران الذي كانت بدايته غير الناجحة على الأقل حتى الآن خمسة لقاءات حوارية بينهما في بغداد أو ربما ستة وثلاثة في عُمان؟ تفيد معلومات باحث آسيوي جدّي ومتابع من قرب لتطوّرات منطقة الخليج بعربه وفرسه أن العربية السعودية لن تسعى من أجل تحسّن جدّي وسريع لعلاقاتها مع الولايات المتحدة في مرحلة قريبة، إذ إنها ستنتظر الوقت الذي قد يواجه فيه رئيسها بايدن صعوبات في الداخل أو الخارج تؤدّي الى “قصقصة” جوانحه أو تدفعه الى التروّي مع حلفائه وفي مقدمهم بن سلمان والسعودية. تفيد المعلومات نفسها أيضاً أن المملكة تراهن على استقبال جيد لها في واشنطن إذا خسر حزب بايدن الديموقراطي الغالبية في الكونغرس في الانتخابات النصفية التي ستُجرى في الخريف المقبل لمصلحة الحزب الجمهوري، كما إذا وصل الى البيت الأبيض دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2024 أو جمهوري آخر مدعوم منه. هذه المقاربة السعودية تشير الى أن المملكة لم تستسلم في صراعها أو بالأحرى خلافها المستجد مع الولايات المتحدة، وذلك رغم فقدانها الإيمان أو بالأحرى الثقة بالرئيس بايدن من جرّاء مواقفه السلبية من ولي العهد بن سلمان وجهوده الضخمة لإحياء الاتفاق النووي مع إيران الإسلامية. تعكس هذه المقاربة في رأي الباحث الآسيوي نفسه اعتراف المملكة بأن لا روسيا ولا الصين قادرتان على أو راغبتان في الحلول مكان الولايات المتحدة كضامنتين لأمن السعودية رغم تقديمها أكثر من برهان في السنوات القليلة الماضية تؤكد أنها لم تعد الشريك الدولي الذي يُعتمد عليه. يبدو أن عدداً من القرارات الاقتصادية الطابع عكست الطابع السياسي وهو تثبيت الاقتراب من الجمهوريين وترامب تحديداً تمهيداً للعمل معاً عند تغيّر الغالبية الديموقراطية في الكونغرس كما عند وصول جمهوري الى البيت الأبيض. اعتبر البعض في واشنطن أن بعض هذه القرارات ومنها استثمار ولي العهد السعودي مليار دولار أميركي في “صندوقين” ماليين مختصّين مكافأةً لجاريد كوشنر صهر الرئيس السابق ترامب ومستشاره في البيت الأبيض. ذلك أنه كان من أشد أنصار تمتين العلاقة بل التحالف بين واشنطن والرياض. فضلاً عن أنه استمر على علاقة جيدة جداً مع بن سلمان بعد مغادرة عمّه الرئاسة وخروجه هو من الإدارة. طبعاً طلعت أصوات في العاصمة الأميركية منتقدة للاستثمارات السعودية المشار إليها ربما بسبب عدم جدواها. لكن ولي العهد لم يتراجع عنها واعتبرها محللون أميركيون جدّيون استثماراً لعودة محتملة لترامب أو لجمهوري آخر الى البيت الأبيض، وهي ليست فقط تقديراً للمساعدة القيّمة التي قدّمها كوشنر أيام رئاسة عمه للمملكة والرجل القوي فيها وليّ عهدها محمد بن سلمان. واستناداً الى وثائق نشرها الإعلام الأميركي يبدو أن كوشنر استعمل موقعه في البيت الأبيض لمساعدة بن سلمان على إزاحة وليّ العهد السعودي في حينه الأمير محمد بن نايف المعتبر في ذلك الوقت “حبيب” المخابرات الأميركية ومجتمع السياسة الخارجية.

في النهاية يقول الباحث الآسيوي: “بن سلمان يشعر مثل نظيره الإماراتي بأن الولايات المتحدة أخفقت في مواجهة الهجمات الإيرانية المباشرة أو بالواسطة على ناقلات نفط دولتيهما أو التي قام ويقوم بها الحوثيون وكلاء طهران. طبعاً هذه الأمور معروفة كلها لكن رغم ذلك تصرّ الرياض على جودة علاقتها بواشنطن. وقد أصدرت السفارة السعودية في الأخيرة بياناً وصفت فيه العلاقة بين دولتيهما بالتاريخية والقوية، وأكدت أن الاتصالات بينهما يومية وعلى مستوى المؤسسات وتتناول أموراً عدة منها الأمن والاستثمارات والطاقة”.

هل ينجح رهان وليّ العهد السعودي على عودة غالبية جمهورية الى الكونغرس وجمهوري الى البيت الأبيض؟ ربما فكّر كثيرون داخل أميركا وخارجها ولا سيما في السنة الأولى من ولاية بايدن أن ذلك ممكن. لكن هل يبقى ذلك ممكناً بعد حرب روسيا على أوكرانيا والمواقف الصلبة التي اتّخذها بايدن لمواجهة هذه الحرب وفي مقدمها توحيد الغرب الأميركي – الأوروبي – الآسيوي – الأطلسي؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى