بنس والسباق الرئاسي الأميركي
جاء في مقال للكاتب اميل أمين في صحيفة”الشرق الاوسط”:
نهار الأربعاء المقبل السابع من يونيو (حزيران)، سوف يعلن نائب الرئيس الأميركي السابق، مايك بنس، عن ترشحه للانتخابات الرئاسية الأميركية 2024، وذلك حسب مصادر خاصة لشبكة «سي إن إن».
خلال خطاب مرتقب في ولاية أيوا، سيقدم بنس نفسه للحزب الجمهوري، ليدخل دائرة السباق مع رئيسه السابق، دونالد ترمب، وليواجه حاكم فلوريدا رون ديسانتس، الجواد الرابح عند الكثيرين في الانتخابات المقبلة، عطفاً على نيكي هايلي السفيرة السابقة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.
ما هي حظوظ مايك بنس في الوصول إلى البيت الأبيض؟ ربما يتعين علينا قبل الجواب التوقف عند مسيرة بعض من نواب الرؤساء الأميركيين السابقين.
تبدو شخصية نائب الرئيس مسألة مثيرة في الحياة السياسية الأمريكية، ذلك أن هناك نواب رؤساء مروا مرور الكرام، ولم يترك أي منهم بصمة واضحة في الحياة العامة، في حين أن غيرهم لا يزال الأميركيون يتذكرونهم، بل يندمون على عدم تصعيدهم لمقعد الرئاسة.
بالقدر نفسه يمكن اعتبار مايك بنس من النواب الذين تركوا أثراً واضحاً خلال سنواته الأربع في البيت الأبيض نائباً للرئيس، من خلال كاريزميته التي غلبت عليها شخصية المبشر، ذلك الدور الذي لعبه في عدد من دول أمريكا اللاتينية في سنوات سابقة من عمره، إضافة إلى خبرته السياسية حاكماً لولاية إنديانا، وعضواً سابقاً في الكونغرس.
والشاهد أنه رغم أزمة الوثائق الرسمية التي وجد بعض منها لدى بنس، فإنها لم تؤثر كثيراً على نظرة الأمريكيين له باعتباره الرجل الذي رفض تنفيذ رغبة رئيسه، والسعي في طريق إلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية 2020، بدعاوى التزوير.
يتذكر العالم والأمريكيون، كيف أن بنس وقف بشجاعة واضحة، وبصدق وافر وراء إتمام عملية انتخاب الرئيس جو بايدن، إلى أن اكتملت المراسيم نهار السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، الأمر الذي عرضه وعائلته للخطر، بعد الهجوم الراديكالي على مبنى الكونغرس.
هل جاء قرار بنس ترشيح نفسه للرئاسة مفاجئاً للكثيرين في أمريكا؟ أغلب الظن أن الجمهوريين كانوا يعرفون نيته الترشح، لا سيما منذ أن أصدر في نوفمبر (تشرين الثاني) مذكراته الشخصية، تلك التي جاءت تحت عنوان «So Help Me God».
ينم الاسم عن الشخصية بشكل كبير، مسيحي محافظ، له حضور واسع بين تيارات اليمين المسيحي الإنجيلي في طول البلاد وعرضها، ما يمكن أن يجعل منه رمانة الميزان للجمهوريين بين ترمب وديسانتيس… لماذا؟ بالنسبة لترمب، يبدو الرجل وكأن مستقبله وراءه وليس أمامه، كما أن ملفه السياسي محمل بالكثير من القضايا الخلافية، ما يعني أن كوادر الحزب الجمهوري قد تراهن على خسارة الرئاسة المقبلة حال جرى ترشيحه.
فيما ديسانتيس، وإن كانت لديه مزايا عديدة، إلا أن صغر سنه من ناحية، ومواقفه التي تأخذ اتجاه أقصى اليمين من ناحية أخرى، لا تخيف اليسار الديمقراطي فحسب، بل تدفع أعداداً كبيرة من الجمهوريين للتوجس من ميوله، بخاصة مع عدم القدرة على التنبؤ بمساراته السياسية، ومساقاته الفكرية حال وصل إلى البيت الأبيض.
هنا يبدو بنس، وفي عيون الكثيرين، المرشح النموذجي، من حيث الخبرة السياسية، وقدرته على موازنة القضايا الكبيرة والخطيرة، عطفاً على أنه نجح في أهم وأخطر اختبار معاصر عاشته الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة، خلال موقعة الكونغرس الشهيرة، التي سيبقى دور بنس مشهوداً فيها.
هل من جزئية بعينها تهمنا نحن سكان الشرق الأوسط في سنوات بنس الأربع بجوار ترمب، وتعكس رؤية مستقبلية لما يمكن أن تكون عليه رئاسته يوماً ما، إن قدر له العودة من جديد إلى البيت الأبيض، لكن رئيساً هذه المرة؟
اختلف بنس مع ترمب، وذلك في الأيام الأولى لرئاسته، جراء المقترح الذي تقدم به الرئيس، في طريق سعيه لمنع دخول مواطني عدد من الدول الإسلامية إلى البيت الأبيض، وساعتها ارتفع صوت بنس معتبراً أن مثل هذا القرار «عدواني وغير دستوري».
لقي هذا الموقف احتراماً كبيراً من كافة الدوائر المعنية بحقوق الإنسان، في الداخل الأمريكي، وربما لو ساير رئيسه لما اعتبر الأمر غريباً من مبشر سابق، غير أن موقفه الواضح والأمين رفعه في عيون ملايين الأميركيين من غير المريدين للإسلاموفوبيا التي تلاحق المسلمين، بالضبط كما كانت المكارثية في خمسينات القرن الماضي تطارد اليساريين.
لكن وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك عقبات في الطريق يمكنها أن تهدد مسيرة بنس، لا سيما أنه أبدى استعداداً واضحاً لتقديم شهادة رسمية أمام المحكمة، تؤكد مسؤولية ترمب عن أحداث العنف التي جرت في مبنى الكابيتول. هذا التوجه يمكن أن يحرم بنس من أصوات الملايين من التابعين لترمب، وهو المتقدم حتى الساعة بمسافة كبيرة عن ديسانتيس في السباق من أجل الحصول على ثقة الحزب الجمهوري.
هل يمكن أن يكون بنس أمل الجمهوريين في جمع شتاتهم بعد طول تفرق؟ في السابع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وفي حديث لوكالة «أسوشييتد برس»، أكد أن الجمهوريين، بخاصة بعد انتخابات التجديد النصفي، التي أخفقوا فيها في تحقيق حلم الموجة الحمراء العملاقة، في حاجة إلى قيادة جديدة.
في الحوار عينه، أضاف: «أعتقد أنه ستكون لدينا الخيارات الأفضل في 2024، أنا واثق للغاية من أن الناخبين الجمهوريين في السباق التمهيدي سيختارون بحكمة».
يصف بنس والده المحارب السابق في الحرب الكورية بأنه من ألهمه فكرة الإخلاص للدستور الأميركي، فهل يقوده الإيمان بأميركا الموحدة والمخلصة لكتاب القواعد، إلى البيت الأبيض من جديد؟
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرًا.