Independent – مايكل هزلتاين
أعود بالذاكرة إلى عام 1973 باعتباره العام الذي قبلت فيه بريطانيا في مرحلة ما بعد الحرب أنها قد خسرت إمبراطوريتها واختارت مصيراًأوروبياً جديداً.
قبل 50 عاماً، وبالتحديد في الأول من يناير (كانون الثاني) 1973، انضمت المملكة المتحدة إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية. ولفهمضخامة هذا الحدث، على المرء أن يعود إلى الوراء، ويتأمل ألف عام من تاريخنا.
بطبيعة الحال، لم يكن الاقتصاد على الإطلاق بعيداً تحت سطح المصلحة السياسية الذاتية، بيد أن ذلك التاريخ يدور حول الأراضي والدينوالسلطة والحروب التي أثارها. شهد القرن الـ20 إراقة دماء على نطاق غير مسبوق وطاولت المدنيين [إلى حد] لم يكن من الممكن تخيله.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، لبت شعوب أوروبا المحتلة والمهزومة، التي عانت ويلات الحرب ثلاث مرات في ثلاثة أرباع القرن الـ20، نداءالواجب الذي يقتضي عدم تكرار تلك [الحروب] على الإطلاق مرة أخرى. وينبغي ألا ننسى أبداً أن هذا هو سبب ولادة أوروبا الحديثة.
لقد ترعرعت خلال الحرب العالمية الثانية في بريطانيا التي اعترفت أنها مدينة بكثير لولاء دول الكومنولث، لكن كان عليها أن تتصالح معإمبراطورية لا يرغب أعضاؤها بقبول الوضع الإمبراطوري. وكان هناك وعي متزايد بالتفاوت من حيث القوة بيننا وبين الولايات المتحدة كماكان هناك تردد غير مريح بشأن التعاطي مع أوروبا التي كانت تتعافى بسرعة.
لقد منحنا بداية عام 1973 إحساساً جديداً بالأمل وبالهدف. وأصبحت أول وزير بريطاني يتحدث في الولايات المتحدة عن علاقتنا الجديدةوتعاملت مع القضايا [ذات العلاقة] من خلال كلمة ألقيتها أمام مجلس الشؤون الدولية في لوس أنجلس. شرحت الاستنتاج الذي خلصت إليهومفاده بأن موارد القوى الكبرى في العالم كانت قد بلغت مستوى ستجد معه صعوبة بشكل متزايد في الحفاظ على قاعدة صناعية متقدمة. وكان الحل هو إقامة شراكة بين الدول، من شأنها، بشكل إجمالي، أن [تحقق التوازن لأنها] مكافئة للمنافسة التي سيعرضنا اليها العالمبشكل متزايد.
ومهما كنا فخورين بما حققناه، فإن قدرات 50 مليون بريطاني لن يكون بوسعها على الإطلاق أن تضاهي التقنيات والإمكانات المتوفرة لدىقوة رئيسة أو قوتين. وقد خلصت إلى أنها تقدم شراكة جديدة وذات مغزى أكبر. وإذ أعيد قراءة ذلك الخطاب اليوم فإنني لن أغير في تلكالكلمات.
وكرئيس للحركة الأوروبية في المملكة المتحدة، استنكر الخداع الذي انطوى عليه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست). أعودبالذاكرة إلى 1973 باعتباره العام الذي قبلت فيه بريطانيا في مرحلة ما بعد الحرب أنها قد خسرت امبراطوريتها واختارت مصيراً أوروبياًجديداً.
لقد رأى جيل جديد من السياسيين مستقبلاً أفضل لبلادنا من خلال ضم سيادتنا إلى [سيادة] جيراننا من أجل بناء شيء لا يحل محلهويتنا القومية، بل من شأنه أن يكون شيئاً جماعياً أكثر فعالية من مكوناته منفردة. وعلى امتداد الأعوام الـ20 التالية، كان هذا ما فعلناه.
إن القواعد التي قيدت السفر في أوروبا، ودعمت شركات الطيران ومنعتك من رصد أكثر من 50 جنيهاً استرلينياً (نحو 60.23 دولار) لإنفاقها على إجازتك الخارجية، تم التخلي عنها جميعاً ووفرت شركات الطيران، مثل “إيزي جيت“، العطلات الأوروبية لملايين من الذين لميسبق لهم السفر إلى الخارج.
وتم تطوير سوق جديدة بالكامل في مجال الخدمات المهنية، مع وجود المملكة المتحدة في صميمه. ويمكن القول إن إنشاء السوق الموحدة فيعام 1986 كان أبرز إنجازات مارغريت ثاتشر. وهيأت تلك، على وجه التحديد، فرصة للشركات المالية البريطانية من أجل خدمة سوق أوروبيةأكبر بكثير استطاعت التحكم بها بقوة ومهارة.
لكن حدث أيضاً شيء غير واضح بما فيه الكفاية. لقد شعرت بذلك كوني كنت وزيراً في حكومة ثاتشر. كنا نحتل مقعداً حول الطاولة [حيثيجري صنع القرارات الأوروبية] وكان لنا تأثير من جديد [بعد خسارة الإمبراطورية]. لكن في مرحلة ما بعد الـ”بريكست”، نرى كيف تتزايدالقضايا الدولية المتعلقة بالبيئة والاحتباس الحراري التي تجري مناقشتها من قبل جيراننا الأوروبيين في غيابنا.
إن من السهل الرجوع إلى الماضي وتذكر الوعود التي لم يتم الوفاء بها. لقد أدت المخاوف الأميركية بخصوص بروتوكول إيرلندا الشمالية إلىإفشال اتفاق التجارة الحرة الأميركي والاتفاق الزراعي مع أستراليا الذي كان سيئاً بالنسبة إلى بريطانيا حتى في نظر الوزير الذي تفاوضعليه.
ولم تظهر عملياً أي تفاصيل بعد ست سنوات من إبلاغنا بإجراء محرقة للروتين من شأنها أن تنشط اقتصادنا. وبدلاً من ذلك، تركنا وشأننامع الإشاعات والتكهنات التي تمنع الاستثمار وتثير قلق هيئات مثل National Trust [منظمة خيرية تعنى بالحفاظ على التراث فيإنجلترا وويلز وأيرلندا الشمالية] وWildlife Trust [جمعية خيرية مستقلة تُعنى بالحياة البرية] وRSPB [منظمة خيرية مسجلة في إنجلتراوويلز واسكتلندا وهي تعمل على تعزيز حماية الطيور والبيئة الأوسع من خلال حملات التوعية العامة].
التنظيم هو ما يميز شريعة الغاب عن المجتمع المتحضر. إن ثمة ثلاث قضايا راهنة ستدفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عملية؛ إنفلونزاالطيور، وتقرير [حريق] برج غرينفيل [السكني] وانهيار شركة FTX للعملات المشفرة، التي هي عبارة عن أمثلة لموضوعات رائجة حالياًتفسر لماذا تسعى الحكومات إلى فرض النظم علينا وحمايتنا.
كانت السيطرة على حدودنا القضية الأساسية بالنسبة إلى “بريكست”. لم نتلق وعوداً [من أنصار بريكست ومهندسيه] بالفوضى البائسةوالمهينة التي صارت تشكل قوام سياسة الهجرة الخاصة بنا. لقد تعرض الشعب البريطاني إلى الخداع، ويبدو هذا أشد وضوحاً كل يوم. وتصبح الحاجة إلى تغيير الاتجاه أكثر إلحاحاً كل يوم. إن من الصعب قياس الآثار الاقتصادية التي خلفتها الجائحة وتداعيات الغزوالروسي لأوكرانيا. لكن إذا نظرت عن كثب، فإن الحقيقة آخذة بالبروز.
يقول “مركز الإصلاح الأوروبي” إن اقتصاد المملكة المتحدة أصغر بما يزيد على 5 في المئة عما يمكن أن يكون عليه ما لم يحدث”بريكست”. وإن إقامة الحواجز التجارية مع الاتحاد الأوروبي أدت، على حد تعبير “مؤسسة القرار” Resolution Foundation [مؤسسة بحثية] ، إلى “خفض على نطاق واسع في أجور العمال وإنتاجيتهم”. وتقدر المؤسسة هذا الخفض بخسارة 470 جنيها استرلينياللعامل الواحد في السنة. وهذا يكاد يعادل ألف جنيه استرليني (نحو 1207.66 دولار) في المتوسط للزوجين.
ويرى “مكتب مسؤولية الموازنة” [هيئة مستقلة تمولها وزارة الخزانة في المملكة المتحدة تختص بتقديم توقعات اقتصادية مستقلة وتحليلمستقل للمالية العامة] أن اتفاق التجارة والتعاون الضعيف بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي قد أدى إلى تراجع تجارتنا مع الاتحادالأوروبي بنسبة 15 في المئة. وعلاوة على هذا كله، فقد هبطت قيمة الجنيه الاسترليني بنحو 20 في المئة عنها في عام 2016، الأمر الذيرفع معدل التضخم. ووجد استطلاع أجرته غرفة التجارة البريطانية لأعضائها الأسبوع الماضي أن صفقة “بريكست” التي أبرمتها بريطانياقد فشلت في مساعدة ما يزيد على ثلاثة أرباع الشركات على زيادة المبيعات أو تنمية أعمالها.
إن العودة عن الـ”بريكست” ليست مستحيلة، والرأي العام يتحرك. ويعتقد 65 في المئة [من البريطانيين] أن الحكومة تتعامل مع قضيةخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل سيئ، فيما يرى 45 في المئة أنه يجب علينا الانضمام من جديد إلى الاتحاد الأوروبي بالمقارنةمع 32 في المئة ممن يؤيدون البقاء خارجه. وإذ يعتقد 58 في المئة أننا أخطأنا بمغادرته فإن 42 في المئة يظنون أننا أصبنا في ذلك.
نحن في حاجة إلى البدء في بناء الجسور من جديد. لقد حان الوقت لاتباع سياسة عملية وبناءة تجاه أوروبا، من النوع الذي يتمتع بجذورعميقة في تاريخنا المشترك ولديه شهية من أجل استعادة مكانة هذه البلاد في قلبها [أوروبا].
*مايكل هيزلتاين كان نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً أول، في عهد مارغريت ثاتشر ، وهو حالياً رئيس الحركة الأوروبية في المملكة المتحدة.