بعد مؤتمر الكويت: إلى أين؟
كتب محمد امين الداعوق في صحيفة “اللواء”:
هي الإطلالة الجماعية على المشهد اللبناني الحافل في هذه الأيام بشتى أنواع الخلافات والتناقضات، وكانت نهاية الأسبوع الفائت مجالا أبرز للوضعية السنية في هذا البلد الغارق حتى الثمالة بمشاكله الطائفية والمذهبية والمناطقية، وهي في قمة تأججها التي تمثلت بعزوف رئيس تيار المستقبل، ممثلا بشخصه القائد ونوابه، عن تولي رئاسة الحزب والإمتناع الحازم عن ممارسة تفاصيل متعلقة بالوضعية السنية في هذا البلد، بما أبرز للوجود، موقفا عربيا خليجيا مضمّخا بطابع دولي، مستمرّ وقد تمثل بوضوح في ذلك الإجتماع اللبناني-الخليجي وملحقاته حيث تم عقده في الكويت لأسباب مقصودة ومحسوبة، وإذا بلبنان ممثلا بوزارة الخارجية اللبنانية، ومندوبي الدول الخليجية، ومع كل مراعاة للأصول الدبلوماسية يبلغون المؤتمر الكويتي، بخلاصة الموقف اللبناني المعبّر بالنتيجة عن المواقف الرئيسية المطلوبة من لبنان والمتمثلة في المطالبة بلملمة مواقف حزب الله على امتداد السلطة اللبنانية، بما أطلق عليه في بعض الأوساط تسمية الإحتلال الإيراني للبنان، وبالتالي فإن كثيرا من المواقف المتعلقة بهذا المؤتمر وبحقيقة القرارات التي برزت محلّيا وعربيا ودوليا من خلاله، ومن خلال التصاريح المختلفة المتعلقة به قد بدأت تظهر تباعا في سلسلة من المواقف التي تواجدت بقدرة قادر على الساحة اللبنانية، متماشية ومتلائمة مع حقيقة الموقف الخليجي – السعودي، ويبرز في طليعتها موقف دار الفتوى والرئيس السنيورة، وبهاء الحريري وعدد من المواقع والجمعيات السنية واللبنانية – المسيحية، وفي طليعتها موقف غبطة البطريرك الراعي والمطران عودة والقوات اللبنانية وحزب الكتائب ومتفرقات تنظيمية أخرى تماشت بالنتيجة مع الموقع السعودي بما يتمايز عن موقف الرئيس سعد الحريري، الذي طغى على تصرفاته الحديثة طابع العزلة والإنعزال عن مجمل الممارسة السياسية، في الوقت نفسه الذي تشتد صلات مطالب ومواقف حزب الله وتشبثه باستقلالية ترفض مجمل المواقف الوطنية الداعية إلى جملة من المطالب وفي طليعتها إتخاذ الموقف المناسب في ما تعلق بوضعية السلاح الذي بات متحكّما إلى حد بعيد، بنقاط الإمساك بالسلطة اللبنانية بكافة أنواعها ومواقفها، بما فيها تلك الإمتدادت المسلّحة التي يصرّ الحزب على إطلاقها في شتى الأنحاء التي تستهدف التحكم المسلح بتلك البلدان العربية التي تصرّح إيران بأنها باتت ممسكة بها جميعا، أرضا وشعبا ومؤسسات، حتى إذا ما تبين أن هذا القول الفضفاض يفتقر إلى الكثير من الدقة والصحة كما هو الحال في العراق التي تمكنت قواه الوطنية الرافضة للمواقف الطائفية والمذهبية من كسب الإنتخابات النيابية وملحقاتها على الساحة الوطنية المحلية، الأمر الذي باتت نتائجه تسفر عن مواقف متناقضة ومتناهضة من شأنها كما وشأن مثيلاتها في بقية العواصم العربية، إثبات أن الوضع الإيراني المتدخل والمتداخل مع تلك البلدان، قد دفع بها إلى جملة من الأحوال المضطربة التي جرّدتها من كل معالم الإستقلالية والإنفتاح وتأمين الحاجات الأساسية لتلك البلدان التي باتت غاطسة إلى أقصى الحدود في معالم الجحيم الذي أشار إليه الرئيس عون مؤكدا على المصير المخيف الذي بات ينتظر هذه البلاد، وفي طليعتها، لبنان الذي تمعن الجهات الممسكة بأحواله جميعا في إيصاله إلى موقع طاول حدود التواجه على مستوى المواقف الوطنية السياسية والإدارية، آملين أن تتوقف به الأحوال المتدهورة عند هذه الحدود المؤسفة التي تواجه في هذه الأيام بمساع سياسية تتمثل خاصة في المفاوضات الدائرة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، فضلا عن تلك الدائرة بين إيران والمملكة، ولعل هذه المحاولات التي تلقى حتى الآن سلسلة من العوائق والمعيقات، تمكننا، في لبنان خاصة، من حلحلة السدود والحدود التي ما زالت حتى الآن تلقى جملة من التعقيدات والمطبات التي يسعى كل من فرقائها إلى تأمين مصالحه كأئنا ما كانت صعوباتها وجهنمياتها. ad
وبعد، لا شك في أن هذا البلد المنكوب وقد انحدر بصورة متسارعة ومشغولة ومقصودة إلى وضعية ربما كان في جملة استهدافاتها الجذرية، قلب الأمور إلى وضعية إيرانية خالصة تتحقق فيها مقولة سماحة السيد بأن الحزب يتلقى كل احتياجاته أكلا ومشربا وسلاحا وقدرات مختلفة، من إيران، حتى إذا ما أبرز خصومه هذا القول، من قبيل الموقف المضاد، قامت القيامة عليهم متسلحة بأقوال مناهضة ومناقضة.
بناءً على ما تقدم، الأحوال في البلاد لا ترضي في واقع الأمر المرير، لا صديقا ولا عدوا، وأحوال الفقر والحاجة والعوز والإنحدار الشديد في مهاوي الظلام الدامس، باتت في واقع الحال، تستدعي وقفة واعية تستلهم خير الناس والوطن، وتنقذ أوضاعنا من سوء المصير الذي يزداد قتامة واشتدادا على رقاب الناس ومواجعهم، واحتياجاتهم المعيشية والحياتية المختلفة. وعليه فاننا ندعو الضمائر الحية إلى الإنتفاض الحقيقي والشامل على مصيرٍ نُساق إليه ويرفضه المنطق والمصلحة الوطنية العامة، بكل مندرجاتها التحويرية إلى وضعية طائفية مذهبية ومناطقية، تأبى اتجاهاتنا المنزهة عنها، الإنجرار إلى مسالكها المؤلمة.