بعد سوريا وجوارها.. هل تسيطر تركيا على ليبيا وبحارها؟

كتب حسني محلي, في الميادين:
استطاعت أنقرة أن تفرض نفسها على مجمل الحسابات الإقليمية والدولية بعد أن نجحت في إقامة علاقات متشابكة مع مختلف الأطراف في مصر وتونس وسوريا والعراق ولبنان والصومال وليبيا.
في 27 نوفمبر تشرين الثاني2019 وقعت تركيا مع حكومة السراج في طرابلس على اتفاقية للتعاون العسكري وأخرى لترسيم الحدود البحرية بين البلدين في الأبيض المتوسط. وجعلت هاتان الاتفاقيتان من أنقرة طرفاً أساسياً في مجمل تطورات ليبيا، التي تدخّل فيها الجيش التركي في أبريل نيسان 2020 لمصلحة حكومة طرابلس وضد قوات خليفة حفتر التي كانت تسيطر آنذاك على ٩٠ % من ليبيا.
واضطرت قوات حفتر للانسحاب من طرابلس وجوارها، بعد أن أقامت أنقرة قواعد عسكرية لها غرب البلاد، كما نقلت الآلاف من المرتزقة من سوريا إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق المعترف بها دولياً.
فيما كانت قوات حفتر مدعومة من مصر والإمارات والسعودية وما زالت كذلك، رغم سيطرة أنقرة على الملف الليبي بفضل حكومة عبد الحميد الدبيبة المعترف بها دولياً والمدعومة من الفصائل والمجموعات الإسلامية المعتدلة منها والمتطرفة المدعومة من أنقرة، بعد أن قال الرئيس إردوغان عام 2000 إن “ما لا يقل عن مليون ليبي هم من أصول تركية عثمانية وإن أنقرة لن تتخلى عنهم”.
حديث إردوغان هذا عن الجذور العثمانية لجزء من الشعب الليبي، وعدد سكانه حوالى ستة ملايين، صادف آنذاك حديث إردوغان وإعلامه عن خارطة الميثاق الوطني لعام 1920، وكانت ترى في الشمال السوري والعراقي جزءاً من تركيا الحالية.
واستطاعت أنقرة من خلال هذه الأحداث أن تفرض نفسها على مجمل الحسابات الإقليمية والدولية، بعد أن نجحت في إقامة علاقات متشابكة، سرية منها أو علنية، مع مختلف الأطراف في مصر وتونس وسوريا والعراق ولبنان والصومال والسودان وليبيا بحدودها البحرية والبرية.
وأثار ذلك حفيظة اليونان العدو التقليدي والتاريخي لتركيا العثمانية التي يتغنى الرئيس إردوغان بأمجادها، داخلياً وخارجياً، وهو ما فعله سفير أميركا في أنقرة توماس برًاك الذي دعا الأتراك إلى إحياء هذه الأمجاد، وقال عنها إنها “عظيمة”.
وردت أثينا على التحركات التركية في ليبيا بالتوقيع على اتفاقيات عاجلة لترسيم الحدود البحرية في الأبيض المتوسط، مع إيطاليا ومصر وقبرص التي ينقلها القبارصة اليونانيون.
كما دخلت في تحالفات استراتيجية سياسية وعسكرية و اقتصادية مع “تل أبيب” والقبارصة اليونانيين المعترف بهم دولياً.
واستغلت أنقرة وجودها في ليبيا، فانفتحت على جيرانها جنوباً، ومنها إلى مالي والنيجر وتشاد التي وقعت معها على اتفاقيات عسكرية، كما استغلت هذا الوجود لإقامة علاقات وطيدة مع إيطاليا، البلد المستعمر سابقاً لليبيا.
وجاءت القمة التي جمعت إردوغان مع ميلوني والدبيبة في اسطنبول في الأول من آب/أغسطس الجاري وبعيداً من اهتمام الإعلام الإقليمي والدولي لتعكس مساعي أنقرة لإقامة تحالفات جديدة ومهمة، بعد أن أجبرت الدبيبة على تقديم المزيد من التنازلات لتركيا عسكرياً واقتصادياً، وبعد أن استضافت صدام حفتر عدة مرات خلال الأشهر القليلة الماضية.
وجاء توقيع طرابلس مع أنقرة في حزيران/ يونيو الماضي على اتفاقية تسمح لشركة النفط الوطنية التركية للبحث والتنقيب عن البترول والغاز في المياه الليبية كنتاج لهذه التكتيكات التركية في العلاقة بين كل من طرابلس وبنغازي وبالتالي روما بل وحتى واشنطن.
وتتحدث المعلومات عن تعاون عسكري شامل بين أميركا وحكومة الدبيبة، التي سمحت لتركيا وإيطاليا وأميركا وبريطانيا بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها.
في الوقت الذي لا تخفي فيه أثينا قلقها من هذا التحرك التركي بل وحتى الإيطالي في ليبيا وتسعى للتصدي لها من خلال المزيد من التحالفات مع الكيان الصهيوني الذي لا يخفي هو الآخر اهتمامه بالشمال الأفريقي، وعبر حليفه التقليدي المغرب وإثيوبيا ودول أفريقية اخرى تحظى باهتمام الغرب الإمبريالي. ويفسر ذلك الزيارات التي قام بها مسعد بولس مستشار الرئيس ترامب لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا لكل من تونس وليبيا والمغرب والجزائر للفترة 22-26 تموز يوليو الماضي.
ومع التذكير بحكم العثمانيين لليبيا للفترة 1911-1551 وانسحابها منها بعد الغزو الإيطالي لهذا البلد العربي، حيث كانت إيطاليا إحدى الدول التي احتلت الأناضول، وهي فرنسا وبريطانيا واليونان، بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، جاء التقارب التركي-الإيطالي ضمن المشاريع والمخططات التركية التي يتمنى منها الرئيس إردوغان أن تساعده لإحياء ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية.
حيث كانت الدولة العثمانية تسيطر على الجغرافيا العربية والبلقان والأبيض المتوسط وإيجة، حيث الخلافات مستمرة بين أنقرة وأثينا فيما يتعلق بتقاسم المياه الإقليمية والدولية في هذين البحرين، وعلى الرغم من أن تركيا واليونان ومعها إيطاليا، دول أعضاء في الحلف الأطلسي الذي غض النظر عن التدخل العسكري التركي في قبرص عام 1974.
واستغلت واشنطن ومعها العواصم الغربية هذا التدخل والخلافات اليونانية – التركية التاريخية، وسخرتها خدمة لمخططاتها ومشاريعها الاستعمارية في المنطقة حيث تحتفظ بقاعدة جوية وأخرى بحرية في قبرص.
كما تتحدث المعلومات باستمرار عن نشاط كبير جداً للكيان العبري في الجزيرة بشطريها الشمالي التركي والجنوبي اليوناني.
واشترى اليهود مساحات واسعة من الأراضي وبنوا عليها الآلاف من المساكن في الوقت الذي تقوم فيه الشركات اليهودية والإسرائيلية بأنشطة مختلفة في جنوب وشمال الجزيرة.
ويقوم اليهود بتشغيل ميناء بحري في الساحل الشرقي من الشطر الشمالي التركي، وهو قبالة السواحل اللبنانية والسورية . وتحظى الآن باهتمام تركيا ومعها إيطاليا وأميركا بسبب الغاز والبترول الموجود فيها وفي السواحل الليبية، وهي بطول 1750 كم وتبعد عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية التي تصلها قوارب اللاجئين الأفارقة باستمرار حوالى 300 كم.
وفي جميع الحالات وأياً كانت أهداف التنسيق والتعاون والتحالف التركي-الإيطالي في ليبيا وعبرها في الأبيض المتوسط، فقد بات واضحاً أن أنقرة تعتقد أن الظروف باتت مؤاتية لها لتنفيذ مخططاتها ومشاريعها القومية بذكرياتها التاريخية الطورانية والعثمانية، التي تشجعها واشنطن ضمن حساباتها في المواجهة الاستراتيجية المحتملة مع روسيا والصين، التي تحد الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي في القوقاز وآسيا الوسطى، وللرئيس إردوغان فيها أحلام عديدة ومثيرة !