بعد الانتخابات.. من سيقود مؤسسات الاتحاد الأوروبي؟
كتب بيرند ريغرت, في “DW” :
يكتنف الغموض من سيقود مؤسسات الاتحاد الأوروبي خاصة المفوضية والمجلس الأوروبي والبرلمان عقب الانتخابات الأوروبية. ويقول الخبراء إن عملية اختيار رؤساء هذه المؤسسات الرئيسية تتطلب الانخراط في توافقات سياسية بين الكتل.
لم يسفر اجتماع الإثنين (17 يونيو / حزيران) بين رؤساء حكومات الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عن توافق حيال من سيرأس المؤسسات الكبرى في التكتل لاسيما المفوضية والبرلمان عقب الانتخابات الأوروبية الأخيرة.
ورغم ذلك، يقول خبراء إن رئيسة المفوضية الأوروبية الحالية أورسولا فون دير لاين من المرجح أن تضمن ولاية ثانية تمتد خمس سنوات في ضوء أن كتلتها السياسية حزب “الشعب الأوروبي” الذي ينتمي إلى طيف اليمين الوسط، ما زال يمتلك الأغلبية في البرلمان الأوروبي في تشكيلته الجديدة التي خرجت من رحم انتخابات الأسبوع الماضي.
من جانبه، لم يترك المستشار الألماني أولاف شولتس أي مجال للشك في أن دول الاتحاد الأوروبي سوف تعيد ترشيح فون دير لاين لهذا المنصب في ضوء أنها سوف تنال دعم الكيانات السياسية الثلاث الكبرى في البرلمان الأوروبي ألا وهي أحزاب “المسيحي الديمقراطي” و “الاشتراكي الديمقراطي” و “تجديد أوروبا” ذو التوجه الليبرالي.
وقال شولتس في بروكسل “أعتقد أنه سيكون من الممكن التوصل إلى حل معقول بسرعة بفضل حقيقة مفادها أن المظلة السياسية التي تدعم (فون دير لاين) مازالت تحظى مجددا بالأغلبية في البرلمان”.
المناصب العليا
وفي ضوء نتائج الانتخابات الأوروبية، حصلت الأحزاب الثلاثة مجتمعة على 406 مقاعد في البرلمان الأوروبي المؤلف من 720 مقعدا ما يعني أنها تمتلك الأغلبية المطلقة. ومن حيث الأرقام، لا تحتاج فون دير لاين إلى دعم المعسكرين اليميني الشعبوي واليميني المتطرف.
يشار إلى أنه قبل الانتخابات الأوروبية، صدرت تصريحات عن فون دير لاين لم تستبعد فيها إمكانية العمل مع أعضاء البرلمان الأوروبي من المعسكر القومي اليميني شريطة خروجهم بموقف مؤيد لأوكرانيا بشكل خاص ومؤيد لأوروبا بشكل عام.
وعلى هامش قمة مجموعة السبع التي استضافتها مدينة بوليا الإيطالية الأسبوع الماضي، التقى شولتس بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وفون دير لاين لإجراء محادثات أولية حيال من سيقود المناصب العليا في التكتل الأوروبي.
وخلال مأدبة عشاء الإثنين (17 يونيو / حزيران) داخل مبنى المجلس الأوروبي في بروكسل، قالت مصادر دبلوماسية إن قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كشفوا عن أوراقهم فيما أفادت الأنباء بأن رئيس الوزراء البرتغالي السابق أنطونيو كوستا، الذي ينتمي حزبه الاشتراكي إلى طيف اليسار الوسط، يُتوقع أن يتولى منصب رئيس المجلس الأوروبي ما يعني تمثيل كتلة جنوب الاتحاد الأوروبي.
وخرجت ترجيحات حيال احتمالية أن تصبح رئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خلفا لجوزيب بوريل ما يعني تمثيل الكتلة الشرقية في الاتحاد الأوروبي. وبات من المؤكد أن تبقى روبرتا ميتسولا، السياسية من الحزب الديمقراطي المسيحي في مالطا، في منصب رئيسة البرلمان الأوروبي لمدة عامين ونصف العام ما يعني بقاء تمثيل دول الجنوب الصغرى في الاتحاد الأوروبي.
قيادة الناتو الجديدة
ولا يتوقف الأمر على قيادة مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بل يمتد إلى من سيكون على رأس حلف شمال الأطلسي (الناتو) إذ يقول خبراء إنه سيتم الأخذ في الاعتبار التوازن الدقيق بين الأحزاب الرئيسية وخلفيات المرشحين عند حسم اختيار الأمين العام الجديد للناتو.
ويُتوقع أن يتم اختيار رئيس الوزراء الهولندي المنتهية ولايته مارك روته على رأس هرم الناتو في الخريف المقبل كممثل لدول شمال التحالف شريطة حصوله على دعم كل من المجر ورومانيا في ضوء أن القرار يتطلب الإجماع.
فرنسا ومساعي الحصول على المال
أما ماكرون الذي كان من أكثر الداعمين لتولي فون دير لاين منصب رئيسة المفوضية الأوروبية قبل خمس سنوات، فرغب في لعب دور هام لكن من وراء الكواليس.
وأرجع مراقبون ذلك إلى بقاء الفرنسية كريستين لاغارد رئيسة للبنك المركزي الأوروبي حتى عام 2027 فيما يسعى ماكرون للحصول على وعود بأن تكون مفوضية الاتحاد الأوروبي الجديدة أكثر التزاما بالديون المشتركة للاتحاد الأوروبي وتخفيف القيود المالية مقابل الموافقة على القيادة الجديدة للاتحاد الأوروبي، بحسب وسائل إعلام إيطالية.
ورغم أنه من غير الواضح مدى صحة هذه القارير، إلا أنها تأتي وسط شائعات حيال ماهية القيادة الجديدة للمؤسسات الكبرى داخل الاتحاد الأوروبي. وسيتعين حسم مثل هذه الأمور خلال قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة.
من جانبها، حثت رئيسة وزراء الدنمارك ميتي فريدريكسن على ضرورة الإسراع في حسم هذه القرارات، قائلة: “ما زلنا في منتصف الحرب (الروسية في أوكرانيا)”. وأعرب المستشار الألماني عن ثقته في قرب التوصل إلى اتفاق بشأن القيادة الجديدة للمؤسسات الأوروبية الكبرى.
رغبة إيطاليا في الحصول على نفوذ أكبر
وفي سياق خريطة تقاسم النفوذ داخل الاتحاد الأوروبي، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني إنها تريد تعزيز نفوذ بلادها داخل التكتل خاصة عقب حصول كتلة “المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين” التي تضم حزب “إخوة إيطاليا” بزعامتها على 76 مقعدًا في البرلمان الأوروبي.
والتقت ميلوني بنظيرها المجري فيكتور أوربان على هامش قمة الاتحاد الأوروبي لمناقشة تشكيل تكتل سياسي داخل البرلمان يضم حزبها وحزب “فيدس” اليميني بزعامة رئيس وزراء المجر.
ولم تقترح ميلوني حتى الآن أسماء محتملة لتولي المناصب العليا في التكتل الأوروبي فيما يبدو أنها ترغب في منح بلادها موقعا مهما داخل مؤسسة المفوضية الأوروبية في تشكيلتها الجديدة، إذ خرجت تقارير تفيد بان رئيسة وزراء إيطاليا تطمح في تولي أحد عناصر معسكرها منصب نائب رئيس المفوضية المنوط به الإشراف على الشؤون الاقتصادية والصناعية والمالية داخل التكتل الأوروبي.
وفي هذا الصدد، يرى رئيس سلوفاكيا بيتر بيليجريني أن تمثيل دول شرق أوروبا داخل الاتحاد الأوروبي كان منتقصا خلال السنوات الأخيرة عندما يتعلق الأمر بالمناصب العليا. وأضاف بيليجريني “أريد أن أفهم كيف سيتم تمثيل دول وسط وشرق أوروبا في المناصب الجديدة؟”
وفي ذلك، نقلت وسائل إعلام أوروبية عن دبلوماسي من شرق أوروبا انتقاده عدم ترشيح أي مسؤول من بولندا أو رومانيا أو بلغاريا لرئاسة إحدى الكيانات الكبرى داخل الاتحاد الأوروبي.
شروط الحصول على الترشح
وتقول تقارير إن أورسولا فون دير لاين في حاجة إلى موافقة عشرين دولة تشكل 65 بالمائة من سكان الاتحاد الأوروبي بهدف ضمان ترشيحها من قبل المجلس الأوروبي للحصول على ولاية جديدة على رأس المفوضية الأوروبية.
وتنطبق القاعدة على من سيتولى منصب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، لكن الأمر يصبح أقل صعوبة فيما يتعلق بالشخصية التي ستتولى منصب رئاسة المجلس الأوروبي، حيث يتطلب الأمر موافقة 15 دولة من دول الاتحاد الأوروبي تمثل 65 بالمئة من سكان التكتل.
وبحسب الأعراف الأوروبية، فإنه يجب الإعلان عن الأسماء التي سوف تتولى المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي في آن واحد بشكل متزامن.