بريق الذهب يجذب الخليجيين… الأسعار تعاود الارتفاع وسط مخاوف الأسواق من ترامب والتوترات
لا يزال الذهب أكثر الملاذات الآمنة التي يقبل عليها الخليجيون رغم حالة التذبذب التي خيمت على الأسعار في الأيام الأخيرة ودفعت الكثيرين من مكتنزي المعدن النفيس في الكثير من الدول إلى التساؤل حول اتجاه الأسعار في الفترة المقبلة.
وتزايد الاهتمام بشراء الذهب في دول المنطقة مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، خاصة ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي المتسع في المنطقة والحرب الروسية الأوكرانية. وساهمت زيادة الطلب وسط التوترات المتصاعدة في دعم الأسعار في السوق العالمية، ففي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وصلت قيمة الأونصة (الأوقية) إلى نحو 2787 دولاراً، قبل أن يشهد تذبذباً بين الهبوط والصعود في نوفمبر/ تشرين الثاني لينهي التعاملات عند نحو 2666 دولاراً للأوقية، لكن مع بداية الشهر الجاري يسجل الذهب رحلة جديدة من الارتفاع على ضوء متغيرات إضافية تتعلق بقلق الأسواق من الحرب التجارية التي يعتزم الرئيس الأميركي المنتخب خوضها عبر سلسلة طويلة من الرسوم الجمركية تطاول مختلف أنحاء العالم، إذ استقر المعدن النفيس عند 2787 دولاراً للأوقية خلال تعاملات أمس الاثنين، ليلامس مستويات أكتوبر القياسية.
ويعتبر الذهب استثماراً شائعاً بين مواطني دول الخليج وكذلك البنوك المركزية، خاصة في السعودية والإمارات، من خلال شراء أنواع مختلفة من المعدن الأصفر، خاصة السبائك، وهو ما يساعد على تقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات السوق، حسبما أفاد تقرير نشره موقع “فاينانس ماغنيتس”، المتخصص في أخبار الأسواق المالية والتداول. وكانت منصة تداول الذهب “موني ميتالز” قد كشفت، في سبتمبر/ أيلول الماضي، عن شراء السعودية 160 طناً من الذهب من سويسرا منذ أوائل عام 2022، ما ساهم في ارتفاع أسعار المعدن الأصفر عالمياً.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي حسام عايش، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إلى أن ارتفاع أسعار الذهب يتأثر بمجموعة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية، منها انخفاض أسعار الفائدة وحالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي في العالم، خاصة بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة.
ولذا تتجه البنوك المركزية عالمياً إلى تقليل احتياطياتها من الدولار الأميركي وتعويض ذلك بالذهب، نظراً لاستخدام الولايات المتحدة للدولار أداة ضغط اقتصادي عبر فرض العقوبات، وهذا التوجه يؤدي إلى زيادة الطلب على الذهب، خاصة مع اعتباره ملاذاً آمناً ومستودعاً للقيمة، بحسب عايش.
من جهة أخرى، يحظى الذهب بسمعة استثمارية طويلة الأمد، إذ يعتمد عليه المستثمرون باعتباره أداة تحفظ المدخرات وتدر قيمة إضافية على المديين المتوسط والطويل، وهو ما يُعرف بفرضية “النبوءة المحققة لذاتها”، بحسب عايش، موضحاً أن المضاربين والمستثمرين يرون أن محدودية الذهب وارتفاع الطلب عليه يضمنان ارتفاع قيمته في المستقبل، ما يجعله خياراً جذاباً مقارنة بالاستثمار في الأسهم أو الأصول الأخرى التي تتأثر بتقلبات السوق.
ومن منظور الشباب وصغار المستثمرين في الخليج، يلفت عايش إلى أن الاستثمار في الذهب أصبح بديلاً عن إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خاصة مع وجود عقبات تنظيمية ومالية قد تواجه تلك المشاريع في بعض الدول، لافتاً إلى أن الاستثمار في الذهب يُوفر مستوى أعلى من الأمان مقارنة بالمشاريع التي تتأثر بعوامل تنافسية وضريبية.
ومع ذلك، يشدد عايش على ضرورة وعي المستثمرين الشباب في دول الخليج بالمخاطر المحتملة لتقلبات أسعار الذهب، والتخطيط الدقيق للشراء والبيع بناءً على دراسة مستفيضة للسوق. وفي هذا الصدد، يشير إلى أن العالم يشهد تحولاً آخر في اتجاه الاستثمارات، حيث تكتسب العملات المشفرة زخماً متزايداً، خاصة بعد وعود ترامب بجعل الولايات المتحدة مركزاً لهذه العملات، وأدى ذلك إلى ارتفاع كبير في قيمة البيتكوين، ما جعل العملات المشفرة خياراً استثمارياً، خاصة بين الشباب.
ومن شأن ذلك أن يؤثر على أسعار الذهب، إذ تتحول بعض الاستثمارات من المعدن النفيس إلى العملات الرقمية، وهو ما قد يدفع البنوك المركزية إلى إعادة النظر في إدراج العملات المشفرة ضمن احتياطياتها، بحسب عايش، لافتاً إلى أهمية المتابعة الدقيقة لتقلبات أسعار الذهب والعوامل المؤثرة عليها.
وفي السياق، يرى الخبير الاقتصادي مصطفى يوسف، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن القلق من التوترات بين إيران وإسرائيل وأيضاً الولايات المتحدة، قد تدفع بأسعار الذهب إلى الارتفاع، كما أن هناك مخاوف عالمية من تفاقم الظروف الاقتصادية الدولية، مثل اضطراب أسواق الطاقة أو تصاعد الأزمات الجيوسياسية، ففي مثل هذه الحالات يلجأ المستثمرون إلى الذهب باعتباره ملاذاً آمناً، متجنبين الأصول الأكثر تقلباً مثل الأسهم والعقارات.
لكن يوسف يؤكد أن الاستثمار في الذهب لا ينبغي أن يكون الخيار الوحيد، بل يُفضل أن يكون جزءاً صغيراً من المحفظة الاستثمارية، وينصح المستثمرين الصغار من مواطني دول الخليج بتوزيع استثماراتهم على أصول إنتاجية مثل الأسهم أو العقارات لضمان تحقيق عوائد متنوعة ومستقرة.