بريطانيا تخوض انتخابات تاريخية.. هل تغير مستقبل البلاد؟
كريس ميسون, في “بي بي سي نيوز عربي”:
لقد انتهت حملة الانتخابات العامة في بريطانيا.
تكشف المؤشرات الأخيرة خلال الأسابيع القليلة الماضية، إلى أن حوالي واحد من كل خمسة ناخبين صوتوا بالفعل، عن طريق البريد.
غدا الخميس، ستكون اللحظة الكبرى للجميع.
لقد مرت ستة أسابيع منذ قرر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، إنهاء رئاسة الوزراء بداونينغ ستريت، والدخول في سباق لاستمالة المواطنين في الانتخابات.
إذن، ما الذي تغير؟ وما الذي لم يتغير؟ وماذا نفهم الآن من المرحلة التي وصلنا إليها؟
الحقيقة الظاهرة في قلب هذه الحملة هي أنه رغم كل الضجيج والجلبة على مدار شهر ونصف، فإن الفجوة الهائلة في استطلاعات الرأي بين حزب العمال والمحافظين لم تتغير.
المحافظون، من أعلى الهرم السياسي إلى أسفله، يستعدون للهزيمة، وهي هزيمة كارثية محتملة.
تشير استطلاعات الرأي المتوالية إلى أن حزب العمال متقدم بأميال.
كان زعيم حزب العمال السير كير ستارمر، وفريقه العمالي يستعدون بهدوء للوصول إلى الحكومة، بينما يشعرون بشيء من جنون العظمة بسبب الاطمئنان للنجاح.
لا يبدو أن جميع الإجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء نجحت في إحداث فارق كبير في حظوظه السياسية، سواء أثناء فترة توليه منصبه أو أثناء هذه الحملة الانتخابية.
إن حزب المحافظين يجيد التلون مثل الحرباء – بعد كل شيء، لقد رأينا سلسلة من رؤساء الوزراء المحافظين ينأون بأنفسهم عن من سبقوهم في المنصب مباشرة.
لكن هذه الاستراتيجية بدأت تتصادم مع تناقضاتها الخاصة.
هل كان ريشي سوناك يسعى إلى مواصلة فترة المحافظين الطويلة في المنصب، أم ينأى بنفسه عن إرثهم؟
كم عدد التحديات العديدة التي تواجهها بريطانيا ولم يكن حزب المحافظين سببا فيها ويمكن إلقاء مسؤوليتها على الأحزاب الأخرى؟
خلال 14 سنة مضت كانت الحكومة تحت سيطرة المحافظين، وشهدت هذه الفترة حدوث استقتاءين هامين، استقلال اسكتلندا والخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، بجانب الصدمات الدولية بسبب تفشي فيروس كوفيد والحرب في أوكرانيا.
إن هذه الاستفتاءات تعيد صياغة سياساتنا الداخلية وعلاقاتنا مع أقرب جيراننا.
دفع استفتاء استقلال اسكتلندا الحزب الوطني الاسكتلندي إلى مرتبة متقدمة غير مسبوقة، ومن المتوقع أن يعاود الهبوط مجددا غدا.
أما الحدث الآخر وهو الخروج من الاتحاد الأوروبي، فقد هز القارة الأوروبية وبريطانيا أيضا، وخاصة حزب المحافظين، لكنه شجع المحافظين وأدى لتقلبات داخلية وأعاد صياغة سياستهم بصورة لا تزال واضحة حتى الآن.
كان فريق النواب المحافظين المنتخب في عام 2019 عبارة عن ائتلاف غير متوقع، لكنه جاء نتيجة اختيار ناخبين يائسين بسبب رؤية حقيقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وبعد الخروج، ثبت أن هناك اضطرابا شديدا في الحزب تحت القيادة الفوضوية لرئيس الوزراء بوريس جونسون، نتيجة الجمع بين المحافظين الإنجليز الشماليين ــ الذين أراد الكثير منهم المزيد من تدخل الدولة في الاقتصاد، وبين المحافظين التقليديين في الولايات الصغيرة غالبا في الجنوب.
ورغم أن معظم الناس لا يهتم بالسياسة في أغلب الأوقات، إلا أنهم، سواء في بريطانيا أو في العالم، لفت انتباههم أن بريطانيا، التي تمثل المعقل القديم للقدرة على التنبؤ السياسي، قد حكمها ثلاثة رؤساء وزراء في غضون أسابيع قليلة في خريف عام 2022.
في هذا السياق، أظن أن كتب التاريخ، البعيدة عن رصد الأحداث اليومية، قد تكون منصفة للغاية لريشي سوناك: الرجل الذي جلب نوعا من الاستقرار السياسي والاقتصادي إلى بريطانيا بعد فترة غياب، كما أنه واجه الرياح السياسية المعاكسة التي أشارت السوابق إلى أنه من المستحيل تقريبا تحملها.
لكن مع هذا لا يمكن للمحافظين الفوز في الانتخابات في ظل عدم القدرة على منع سخرية الدول الأخرى منا وإدارة نمو اقتصادي بطئ، بعد ما يقرب من عقدين من النمو الاقتصادي الضعيف والذي يعود إلى الأزمة الاقتصادية في عامي 2007 و2008.
وهناك شيء آخر: لم يشهد تاريخ بريطانيا الحديث فوز أي حزب على الإطلاق بخمسة انتخابات عامة متتالية.
هذه هي الحقيقة القاسية للتاريخ، من وجهة نظر ريشي سوناك، أنه يسير نحو الغد.
ولكن هناك حقيقة قاسية أخرى، من وجهة نظر زعيم العمال كير ستارمر أيضا: وهي أن حزب العمال يخسر عددا من الانتخابات أكبر بكثير من تلك التي يفوز بها، حتى الانتخابات التي يتوقع الناس فوز العمال بها.
فقد خسر حزب العمال أربعة انتخابات عامة متتالية. لكن هذه المرة خالفوا توقعات البعض من احتمالية إصابتهم باضطراب وذعر في مرحلة ما من هذه الحملة الانتخابية، وخاصة إذا ما اقترب المحافظون منهم في استطلاعات الرأي. وأظهر حزب العمال انضباطا وحرصا على حماية ما يأمل أن يكون تقدما ثابتا يشير ليس فقط إلى فوز عادي ولكن فوز مريح بهذه الانتخابات.
ويتحدث أعضاء الحزب كثيرا عن “مهامهم” المخطط لها في الحكومة.
وكانت مهمتهم في المعارضة هي طمأنة من يصوتون للمحافظين في الآونة الأخيرة، وإظهار أنهم يمكن الوثوق بهم في العديد من القضايا خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد والأمن القومي.
وقد حاولوا تحقيق التوازن بين الظهور بمظهر من يتلهف للوصول إلى الحكومة بدون ثقة زائدة، وبين تحديد ما يرغبون في القيام به دون الإشارة إلى أن المهمة ستكون سهلة ومضمونة.
يدرك العمال جيدا أنهم حال الفوز سيرثون تركة ثقيلة من ناخبين قلقين وأوضاع مالية قاتمة، ويبدو أن موجة التفاؤل وحسن النية غير مرجحة، مهما كانت أغلبيتهم كبيرة.
وحتى الأغلبية الكبيرة لا تجعل بعض الأمور أسهل.
اعترف لي السير كير ستارمر، هذا الأسبوع في هوكنال – نوتنغهامشاير، أن حزب العمال سيسمح للسجناء بالخروج مبكرا لأن السجون ممتلئة، تماما كما فعل المحافظون.
وإلى جانب تلك الاستطلاعات التي تؤكد تفوق حزب العمال، كان هناك حقيقة أخرى هامة في هذه الحملة الطويلة تمثلت في وصول نايجل فاراج، بعد السخرية المعتادة منه، ليصبح مرشحا وزعيما جديدا لحزب الإصلاح في بريطانيا.
يمثل فاراج الكابوس المبتسم لحزب المحافظين، حيث يؤدي ارتفاع شعبية حزبه في استطلاعات الرأي إلى ارتفاع ضغط الدم لدى العديد من المحافظين.
وأنا ألاحظ صعود اسم جديد في السياسة، والذي أعتقد أنه يستحق المتابعة: إنه ضياء يوسف.
ضياء يوسف، هو رجل أعمال ناجح للغاية في مجال التكنولوجيا في الثلاثينيات من عمره، وقد تبرع بمئات الآلاف من الجنيهات الاسترلينية لحزب الإصلاح في بريطانيا.
هذا بالإضافة إلى أنه مسلم، وهو أمر مثير للاهتمام في حد ذاته، كما أنه قد يكون من غير المنطقي بالنسبة للبعض أن يدعم الإصلاح.
ولكن الاستماع إليه في تجمع حاشد في برمنغهام في نهاية الأسبوع، كان بمثابة سماع القضية السياسية لحزب الإصلاح في شكل مختلف تماما عن قضية نايجل فاراج.
لا يفتقر إلى الحماسة والقدرة على الإقناع، خاصة فيما يتعلق برأيه حول الهجرة وأنها أصبحت خارجة عن السيطرة، لكنه يقدم هذا بنبرة مختلفة.
ولهذا وجدت نفسي أفكر في زعيم سياسي مستقبلي، بشرط أن يظل محافظا على شهيته للسياسة.
بعد ذلك يأتي الديمقراطيون الليبراليون، وبالنسبة لهم فإنهم لو اعتمدوا على أن الخدمات العبثية (السخيفة) هي الطريق إلى النجاح الانتخابي، فهذا يعني أنهم سينزلقون إلى انهيار ساحق.
لقد تزامنت حملتهم للانتخابات العامة مع أزمة منتصف العمر التي يمر بها زعيم الحزب السير إيد ديفي، لكن لم ينته الأمر عند هذا الحد.
وفي ظل حالة اللغط التي تثير اهتمامنا، كان الديمقراطيون الليبراليون يكافحون دوما لتحقيق فوز في الانتخابات، ودائما ما كان يتم إبعادهم عن الأضواء من جانب عمالقة وستمنستر، حزب المحافظين وحزب العمال، حتى المركز الثالث في ترتيب الأحزاب داخل مجلس العموم لم يعد متاحا لهم خلال العقد الماضي، بسبب تقدم الحزب الوطني الاسكتلندي.
لكن أساليب رئيس الحزب السير إيد نجحت بلا شك في لفت الأنظار لحزبه، ففي الوقت الذي يتحدث عن حياته الصعبة، حيث فقد والديه بسبب السرطان عندما كان طفلا، كما أنه أب لابن معاق، يزعم أيضا أن العبث (اللهو) لا يتعارض مع الجدية وإدراك معاناة الكثيرين.
يشعر الديمقراطيون الأحرار بالبهجة: فهم واثقون من الاستفادة من الموقف الحالي خاصة من مناطق في البلاد تكره المحافظين حاليا، كما أنها لا تصوت لحزب العمال أيضا.
ومن المرجح، بالنظر إلى تقديراتهم الخاصة لما قد يحدث، ومدى مخاوف الحزب الوطني الاسكتلندي من أدائهم الخاص، أن يتمكن الديمقراطيون الأحرار من التفوق على الحزب الوطني الاسكتلندي ليصبحوا ثالث أكبر حزب في وستمنستر.
وإذا حدث هذا، فإن هذا قد يؤثر سلبا على محاولات إجراء استفتاء آخر على استقلال اسكتلندا كما أن الديمقراطيين الأحرار يمكنهم الحصول على منصة قوية للتحدث من خلالها، على سبيل المثال، فإن المركز الثالث في الانتخابات سيضمن لهم مساءلة رئيس الوزراء كل أسبوع.
وهناك أيضاً حزب الخضر في إنجلترا وويلز. فكيف قد يتصرفون في أجزاء من برايتون وبريستول وسوفولك، حيث يبذلون جهودا كبيرة؟ دعونا نرى.
بعبارة أخرى، قد يعاد تشكيل السياسة خارج الأحزاب الكبرى، وكذلك فيما بينها.
نحن نقف على أعتاب ما يبدو وكأنها انتخابات عامة تاريخية.
ولكن الوقت انتهى بالنسبة لأشخاص مثلي يتحدثون عن كل هذه الأشياء، قريبا سيكون الأمر بيد الناخبين لاتخاذ القرار وتحديد كيف ستكون الأمور اليوم التالي للانتخابات صباح الجمعة.