رأي

برنامج السيسي للفترة الرئاسية المقبلة

كتب محمد أبو الفضل في صحيفة العرب.

وسائل الإعلام اكتفت بتسليط الضوء على كثير من الإنجازات على مدار نحو تسع سنوات قضاها السيسي على مقعد الرئيس والإشارة إلى المستقبل بعبارات عامة تؤكد أنه امتداد لماض ناصع.

يشير العُرف في أي انتخابات رئاسية أو برلمانية إلى أن يقدم المرشحون برامج للناخبين لإقناعهم بالحصول على ثقتهم وقت الاقتراع، كنوع من الجدية السياسية لدى المرشح، وكي يتسنى الحساب في نهاية الفترة التي يتولى فيها المنصب، ومعرفة ما تحقق ونسب الإنجاز والإخفاق، وما إذا كان الرئيس أو عضو البرلمان يستحق إعادة ترشحه مرة أخرى أم لا. يلجأ البعض إلى تقديم برامج شكلية لاستكمال المظهر الديمقراطي.

بدأت انتخابات الرئاسة في مصر بالخارج منذ أسبوع، وتبدأ في الداخل الأحد المقبل ولمدة ثلاثة أيام، وعرض ثلاثة من المرشحين خطوطا عريضة لبرامجهم من خلال وسائل إعلام مختلفة، ولم يقدم المرشح الرابع وهو الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي برنامجا مكتوبا، وتكفلت حملته الانتخابية بشرح عناوين رئيسية، ولم يجر شخصيا حوارا يتحدث فيه مباشرة وترك الأمر برمته لدعاية مؤيديه.

طرح هذا النهج تساؤلات عديدة حول برنامج السيسي في الانتخابات، والمتوقع أن يجتازها بتفوق، حيث زادت شعبيته مع تعاظم التحديات الأمنية المحيطة بمصر، ووجد فيه كثيرون خيارا مناسبا للمرحلة المقبلة، كما أن أيا من منافسيه الثلاثة الذين تطوعوا لخوض هذه الانتخابات لا يحظى بشعبية تمثل تهديدا سياسيا له، وإن حاول كل منهم إثبات جديته والتفاعل بما يشي أن هناك فرصة حقيقية للفوز في الانتخابات.

اعتاد السيسي في المرتين السابقتين اللتين خاض فيهما انتخابات الرئاسة بتفوق عدم تقديم برنامج محدد، يمكن من خلاله رصد ما تحقق منه والمساءلة السياسية بشأن ما لم يتحقق، وأرجع عدم تقديم برنامج إلى أسباب متباينة، لم يجد فيها خبراء السياسة إجابة مقنعة، مع أنه كان يمكنه تقديم برنامج شكلي لن يعجز معاونوه عن ترتيب تفاصيله بما يناسب الواقع المصري وتحدياته، والأهداف التي ينتظرها المواطنون.

لم يكن هناك اهتمام كبير بتقديم السيسي لبرنامج في المرتين السابقتين، حيث كانت الدولة تعاني من تهديدات متشابكة في الأمن والاستقرار، وكان كلاهما مطلبا رئيسيا ومعلنا للمواطنين لن يقدم البرنامج أو يؤخر كثيرا حيال ضرورتهما الوجودية، كما أن تفاصيل تحقيقهما بها جوانب سرية يصعب الكشف عن آليات الوصول إليها.

في خضم المطالب الأمنية العاجلة، لم ينشغل كثيرون بمطالب سياسية أو اقتصادية إلى الدرجة التي تحضهم على معرفة برنامج خاص بهما، فقد كانت شعبية السيسي مرتفعة والثقة به عالية، كما طغت الأولى على الأخيرتين في ذلك الوقت، وقبل نهاية مدة رئاسته الثانية شعر البعض بالحاجة إلى برنامج يحوي تفاصيل اقتصادية وسياسية.

واجهت طريقة إدارة الحكومة المصرية لهذين الملفين مطبات كبيرة، لم تنكرها الحكومة، واعترفت بأهمية التصحيح، وإن كانت أرجعت عوامل الإخفاق في الشق الاقتصادي إلى أسباب خارجية، وفي الشق السياسي إلى دواع داخلية، وشرعت بتوجيهات من السيسي في اتخاذ خطوات للإصلاح على مستوى المسارين، من خلال مؤتمرات اقتصادية وحوار وطني شامل مع قوى مؤيدة ومعارضة وشخصيات عامة.

كان من المتوقع أن يقدم السيسي وهو مقبل على ولاية ثالثة كشفا دقيقا لما تحقق وما يسعى إليه الفترة المقبلة عبر برنامج يخوض به الانتخابات، كما هو متعارف عليه في دول عدة، لكنه تمسك بنهجه في العزوف عن تقديم رؤية مكتوبة تحدد الأولويات والأهداف في المرحلة المقبلة.

اكتفت وسائل الإعلام بتسليط الضوء على كثير من الإنجازات على مدار نحو تسع سنوات قضاها السيسي على مقعد الرئيس، والإشارة إلى المستقبل بعبارات عامة تؤكد أنه امتداد لماض ناصع من وجهة نظرهم، ولم يتوقف أحد من المقربين للسلطة عند تقديم البرنامج، وإن صرح أحدهم بأن السيسي ليس بحاجة إلى ذلك فإنجازاته الفترة الماضية تتحدث عنه، في رسالة تشي بأن من يقومون بهذه الخطوة بحاجة إلى تعريف.

لا يغني التأييد الشعبي المتزايد لانتخاب السيسي عن برنامج معلن، فالحفاظ على الأمن الداخلي وحماية الأمن القومي من أهم المنجزات التي تحسب له، لكن الأمن الاقتصادي قضية لا تقل أهمية، والإصلاحات السياسية وما تصطحبه من تعديلات في مجالات أخرى، باتت مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، لأن الفترة الرئاسية الثالثة للسيسي، وتعد الأخيرة له بحكم الدستور، تستوجب تعزيز دوره في تاريخ الدولة بخطوات اقتصادية وسياسية واجتماعية أكبر، أو بمعنى أدق قفزات في هذه الجوانب.

يستند من طالبوا ببرنامج انتخابي إلى عثرات يواجهها الاقتصاد المصري، وأن غياب الرؤية أحيانا هو الذي أدى إليها، فهناك إنفاق سخي على قطاعات وبخل في أخرى، ومع أهمية المشروعات التنموية والعمرانية والتقدم الحاصل في إنشاء بنية تحتية جيدة، لكن لم تنعكس هذه المنجزات على المواطنين بصورة إيجابية، على العكس حصدت شريحة منهم مشاكل معيشية لافتة، تريد إصلاحها في الفترة الرئاسية المقبلة.

يظل وضوح المشروع مهما لأجندة الرئيس السيسي في ولايته الثالثة، لتحاشي العقبات التي ظهرت تجلياتها في ولايته الثانية تحديدا، حيث شهدت اهتماما بالبعد الاقتصادي لم يلمس المواطن مردودات كبيرة فيه حتى الآن، والذي يمكن أن يتهاون في حقوقه السياسية، لكن يظل متمسكا بتحسين أحواله المعيشية والأمنية إلى أبعد مدى.

يشير منهج الرئيس السيسي إلى أنه يمضي في طريق طويل وينطوي على كثير من الأسرار التي يصعب سردها في برنامج، ولا يريد أن يقع في فخ البيروقراطية العتيدة أو الفساد الذي نخر في عروق الدولة خلال عقود طويلة، وأي برنامج يتطلب وضوحا وصراحة وأرقاما وحسابا ومساءلة.

بينما حل بعض المشكلات يتم بالطريقة المصرية “ودية” أو عبر استخدام صلاحيات فوقية في وقت معين، واللجوء إلى أدوات غير متعارف عليها لتجاوز عقبات إدارية، ما يعني تبني منهج “فوق البرامج” الانتخابية.

الهدف الظاهر من البرنامج المجازي تخطي العراقيل الإدارية، والخفي الحاجة إلى تطوير تفرضه التجربة وما تحققه من تقدم أو تأخر، وهذه المساحة الرمادية تنطوي على مرونة يصعب وضعها في برامج، فلدى السيسي طموحات يستمد جانبا منها من الواقع ومستجداته، وما يُشعر المراقب أن هناك خططا محكمة هو حجم ما تحقق من إنجازات مثلا في سيناء تجلت أهميتها مع اندلاع حرب إسرائيل على قطاع غزة.

يبدو المنهج/ البرنامج غير المعلن الذي يسير عليه يحوي عشوائية، بينما النتائج التي يصل إليها تؤكد وجود خطة في دولاب الدولة، لا يراد إعلانها أو تأطيرها في برنامج انتخابي أو خطاب سياسي لتجنب منغصات يمكن أن تقف في طريقه، اقتناعا بأن النتائج سوف تتحدث عن نفسها قريبا، وقتها قد يتبين عمق أم سطحية البرنامج.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى