أبرزرأي

بدايات نتنياهو ونهاياته

كتب بيار عقيقي في صحيفة العربي الجديد.

سُدّت، منذ 7 أكتوبر (2023)، مسارات عدة في الشرق الأوسط، ما حفّز كثيرين، خصوصاً إسرائيل، لمحاولة كسر الجمود بالنار لا بالحوار. لا يتعلّق الأمر بمفهوم “أضرب ثمّ فاوض”، بل أضرب وأضرب وأضرب، حتى يتحطّم جدار ما. وما إن تبرُز ثغرة، ولو صغيرة، في جدار، حتى يتسابق الجميع للتعبير عن رغبتهم في الحوار. لكن الحوار هنا ليس سوى استراحة محارب، وهو ما أدّى إلى تحوّل العدوان الإسرائيلي على لبنان من استنزافي إلى طاحن ثمّ استنزافي، وهو ما رسم مساراً دموياً مكثفاً لـ12 يوماً في إيران، مع محطَّتَين سابقتَين في إبريل/ نيسان وأكتوبر/ تشرين الأول 2024. الحوار نفسه تجلّى في اليمن، مع تمسّك الحوثيين بدورهم العسكري ضدّ إسرائيل، فكان البحران، الأحمر والعربي، ساحتَين مستنزفتَين، بمشاركة أميركية.

بناء عليه، لم تعد مستغربةً إشارة إعلام إسرائيلي مساء الخميس الماضي إلى “انهيار مفاوضات غزّة”، خصوصاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بات مقتنعاً بأنه “شارف على الانتهاء من موضوع غزّة”، وأن كثيراً قد مرّ وظلّ القليل. أيضاً، من المشروع التذكير بأن الحراك السياسي الداخلي في إسرائيل، على مستوى القاعدة الشعبية أو الأحزاب المعارضة، غير قادر على كسر بقاء نتنياهو في رأس الحكومة. استنفدت تلك القوى عملياً قدراتها، وباتت مستسلمةً لنزعات رئيس حكومةٍ يجهّز لتشكيل انتخابي في دورة الكنيست المقبلة، يفترض (وفق حساباته) أن يضمن له الانتصار والديمومة السلطوية. من الطبيعي هنا التذكير بأن نتنياهو أشعل حربه ضدّ إيران في لحظة كانت حكومته “ستنهار”، وأنه هاجم لبنان مُسكّتاً مطالبات بني غانتس وأفيغدور ليبرمان ويئير لبيد بذلك.

اليوم، دخل نتنياهو مرحلة جديدة من حروبه الشرق أوسطية. ومخطئ من يظنّ أن شيئاً سيوقفه: لا مجتمع دولي غارق في أزمات أكبر من قدرته على تحمّلها، ولا الولايات المتحدة، التي ينصرف رئيسها دونالد ترامب إلى حرب داخلية ضدّ خصومه، تحديداً ما يتعلّق بورود اسمه في وثائق جيفري إبستين. تكفي متابعة الدور الإسرائيلي في السويداء السورية، بفعل تورّطه هناك، مهدّداً بتوريط أطراف إقليمية فيها، لأنه فقط أراد ضمان مصالحه الأمنية في الجنوب السوري. كذلك، لم يتردّد الموفد الأميركي، توماس برّاك، في القول من بيروت إن “الولايات المتحدة لا تستطيع إجبار إسرائيل على فعل أيّ شيء”، في معرض إجابته عن سؤال لصحافيين بشأن طلب واشنطن من تل أبيب سحب قواتها من خمس نقاط لبنانية محتلة.

سيدخل نتنياهو المرحلة المقبلة مقتنعاً بأن ما حصل في الأشهر الماضية مهّد عملياً لنهايات مرتقبة، في غزّة ولبنان واليمن وإيران. في السياق، يبدو متمتّعاً بإمساكه بالمبادرة في أيّ خطوة عدوانية، فيما إن أي مبادرة من أعدائه ضدّه ستستجلب ردّاً أميركياً، ولنا في الغارات الأميركية على مواقع نووية إيرانية في 22 يونيو/ حزيران الماضي أمثولة. المعضلة الأهم أن الحراك الذي تشهده دول غربية عديدة دعماً لغزّة وللفلسطينيين، غير كافٍ، رغم صدقيته واندفاعه، إذ يتصل الأمر بقدرة صنّاع القرار في تلك الدول على التأثير في الأميركيين، أولاً وأخيراً، لا في غيرهم. يكفي أنه حين أعلن ترامب أنه سيتوقّف عن دعم أوكرانيا، وجدت أوروبا (أوروبا كلّها) نفسها عاجزةً عن تقديم ربع ما يمكن لأميركا تقديمه. كانت أسابيع صعبة على كييف وبروكسل قبل خضوعهما للشروط الأميركية. وقبل أيام، بدأت الأسلحة بالتدفّق من عنابر الجيش الأميركي إلى أوكرانيا، ما منح الأخيرة أملاً في تعزيز دفاعاتها العسكرية والسياسية أمام الغزو الروسي. ومع إظهار مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، موقفاً متصلّباً تجاه حركة حماس، واتهامه لها بالأنانية، لم يعد صعباً تخيّل ما قد يفعله نتنياهو، ولا رسم حدود له. ودائماً ما تكون النهايات، في كلّ شيء في الدنيا، أصعب من البدايات.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى