بحث علمي: الناس تختلق ذكريات لحوادث لم تحصل قط.
توصل علماء في بحثٍ أجري في المملكة المتحدة، إلى استنتاج مفاده بأنه لا يمكن الاعتماد على الذكريات البشرية، بسبب ميل الأفراد إلى صياغة قصص كاملة.
وتشير التجارب التي أجراها باحثون في “جامعة ساسيكس” البريطانية، إلى أن الناس غالباً ما يخطئون في تذكر طريقة انتهاء أحداثٍ معينة، وفي بعض الأحيان يختلقون ذكرياتٍ لحوادث لم تحصل قط.
ويوضح العلماء أن هذه الظاهرة تنشأ من تفضيل الناس القصص التي تتميز بهيكلية واضحة، سواءٌ في بدايتها، أو وسطها أو نهايتها.
وعندما عُرضت على المشاركين مقاطع فيديو تفتقر لمشاهد حاسمة في “النهاية”، لاحظت الدراسة أن ما يقرب من نصفهم (42.5 في المئة) تذكروا بشكلٍ غير صحيح الخاتمة عند اختبارهم بعد نحو أسبوع.
ويقول البروفيسور كريس بيرد أستاذ علم الأعصاب الإدراكي والمدير المشارك لـ “مركز علم الأعصاب في ساسيكس” Sussex Neuroscience: “فوجئنا بعدد المرات التي يميل فيها الأفراد إلى ملء النهايات المفقودة لمقاطع الفيديو التي شاهدوها، عندما طُلب منهم تذكرها في وقتٍ لاحق”.
ويضيف أن “ذلك أدى إلى ظهور ذكرياتٍ تحتوي على تفاصيل عدة لأمور حدثت ولم تسبق رؤيتها في الواقع”.
ويتابع البروفيسور بيرد: “بدلاً من تسليط الضوء على الخلل في آليات عمل الذاكرة لدينا، فإن النتائج التي توصلنا إليها تكشف في الواقع عن نظام ذاكرةٍ يقوم على التكيف مع البيئة التي نعيش فيها. فنحن نميل إلى اختلاق ذكرياتٍ تكون بمثابة ’أفضل تخميناتٍ‘ متماسكة ومنطقية لتجاربنا”.
وفي سياق الدراسة، عُرض على 351 شخصاً تحت سن الـ 35 سنة، 24 مقطع فيديو يوثق أنشطة بشرية يومية، وذلك في خمس تجارب مختلفة. وطُلب منهم أن يتذكروا ما حدث فيها، إما بعد وقتٍ قصير من مشاهدتها أو بعد أسبوع.
وتبين للباحثين أن الناس غالباً ما يستعيدون ذكرياتٍ مغالطة متشابهة في طبيعتها. على سبيل المثال، عندما تابع الناس مباراة بيسبول تم إيقافها موقتاً بينما كانت الكرة تطير نحو اللاعب حامل المضرب، زعم 20 في المئة منهم – عند تذكرهم الوقائع في الفيديو بعد أسبوع – أنهم رأوا الضارب يقذف بالكرة.
وفي بعض الحالات، تذكر الأفراد بشكلٍ غير صحيح أنهم شاهدوا لاعب بيسبول يضرب الكرة بنجاح ويركض على أرض الملعب وسط حشدٍ غزير وحماسي في المدرجات، على رغم عدم حدوث ذلك في الحقيقة.
مع ذلك، عند انتهاء عرض مقاطع الفيديو كما هو متوقع – مثل إظهار ضارب الكرة وهو يقذف بها في النهاية – تبين أن ذكريات الأشخاص ظلت في الغالب سليمة، بحيث شعر 8.2 في المئة فقط بالميل إلى تلفيق ذكرياتٍ كاذبة.
وقالت دومينيكا فارغا طالبة الدكتوراه في كلية علم النفس التابعة لـ “جامعة ساسيكس”، التي ساهمت في البحث، إن “الذكريات لا تشبه تسجيلات الفيديو الموضوعية للأحداث الماضية. فهي تتأثر بشدة بالمعرفة والمعتقدات المسبقة لدينا حول العالم”.
وتوضح أنه “من خلال إدراك هذه التحيزات، أصبح في وسعنا توخي الحذر عند الاعتماد فقط على الذكريات لاتخاذ قراراتٍ مهمة وحاسمة، وتقييم المعلومات بعناية قبل قبولها على أنها حقيقة مطلقة لا تقبل الشك”.
انطلاقاً من ذلك، يتطلع العلماء – كجزءٍ من الخطوات التالية للبحث – إلى إعادة إجراء التجارب على الأشخاص الكبار في السن.
تجدر الإشارة أخيراً إلى أن نتائج هذه التجارب العلمية تم نشرها في “مجلة علم النفس التجريبي” Journal of Experimental Psychology: General (مجلة أكاديمية تصدرها “الجمعية الأميركية لعلم النفس” ويراجعها أقران علميون).