رأي

بايدن ومخزون النفط الاستراتيجي

كتب أنس بن فيصل الحجي في إندبندنت عربية.

هل سيقوم الرئيس بايدن بالسحب من مخزون النفط الاستراتيجي إذا ارتفعت أسعار البنزين بشكل كبير خلال أشهر الصيف قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؟ الجواب: نعم بالتأكيد. ويتوقع أن يكون السحب بين 30 و60 مليون برميل. وكانت إدارة بايدن بدأت بشراء كميات بحدود 3 ملايين برميل شهرياً لإعادة ملء المخزون الاستراتيجي جزئياً، إذ يتوقع أن تبلغ الكميات المشتراة نحو 30 مليون برميل بحلول منتصف الصيف. ولا يمكن تفسير وتسويغ شراء هذه الكميات بأسعار مرتفعة تتجاوز 75 دولاراً للبرميل، إلا بأن إدارة بايدن تتوقع أن ترتفع أسعار عن النفط عن مستوياتها الحالية. مثلاً إذا اشترت النفط بـ77 دولاراً للبرميل، ثم باعته بـ 95 دولاراً، فإنها تستطيع أن تدعي أنها حققت أرباحاً لدافع الضرائب الأميركي.

وكانت إدارة بايدن سحبت 180 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي في عام 2022، إضافة إلى 31 مليون برميل سحبت بموجب قرار قديم من الكونغرس يتعلق بالموازنة. هذا السحب ما زال محل جدل في عديد من الدوائر داخل وخارج الولايات المتحدة. والملاحظ على هذا الجدل أنه غالباً ما يكون وفقاً للمواقف السياسية، ومن ثم فإن أغلب ما يقال يجافي الحقيقة.
فقد شن الجمهوريون هجوماً شديداً على الرئيس بايدن لإفراغه المخزون الاستراتيجي وترك البلد معرضة للخطر، كما أنهم يتهمونه باستخدامه لأغراض سياسية وليس لأمور طارئة كما تنص قوانين استخدام المخزون الاستراتيجي، ولكن الواقع والأدلة التاريخية يشيرون إلى صورة أخرى:

1- بايدن لم يفرغ المخزون بل بقي فيه نحو 350 مليون برميل وهي كافية لأية حالة طوارئ، وتاريخياً استخدم 30 إلى 60 مليون برميل في حالات الطوارئ فقط.

2- طالب الجمهوريون في التسعينيات بإغلاق وزارة الطاقة والتخلص من المخزون الاستراتيجي كله لأنه تدخل حكومي في الأسواق. لاحقاً أعلن المرشح الرئاسي الجمهوري ريك بيري، وهو حاكم تكساس لثلاث ولايات متتالية، أنه إذا أصبح رئيساً فإنه سيلغي وزارة الطاقة وسيبيع المخزون الاستراتيجي كله. لاحقاً عينه الرئيس ترمب وزيراً للطاقة، وعندما دخل مبنى الوزارة للمرة الأولى، اعتذر للموظفين عما قاله سابقاً في شأن إلغاء الوزارة.

3- أعلن الرئيس ترمب في 2017 عن خطته لبيع نصف المخزون الاستراتيجي، وهي كمية أكبر من الكمية التي باعها الرئيس بايدن. وهذا البيع لا علاقة له بالطوارئ، ولاعلاقة له بأي حرب.

4- منذ عام 2023 طالب عديد من أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ من كلا الحزبين بخفض مستويات المخزون الاستراتيجي عن طريق بيع كميات منه لأن ثورة النفط الصخري رفعت الإنتاج الأميركي بشكل كبير، وخفضت واردات النفط الأميركية بنحو النصف. لاحقاً، بعد أن سمحت إدارة أوباما – بايدن بتصدير النفط الأميركي في نهاية 2015، زادات المطالبات بخفض المخزون الاستراتيجي: لماذا تحتفظ بكميات كبيرة وأنت مصدر للنفط؟

5- غير الكونغرس الأميركي متطلبات السحب من المخزون الاستراتيجي عبر الزمن لدرجة أنه بعد عام 2018 يمكن السحب من المخزون لأي سبب، ولا يقتصر على الطوارئ كما كان في الماضي. 

والواقع أن المخزون النفطي الاستراتيجي الأميركي ومخزونات الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية تم تبنيها في الأصل للاستخدام وقت الطوارئ، وهذا يعني أنه نوع من إدارة السوق بحسب المصلحة. لهذا فهناك مديرون عدة للسوق يختلف دورهم من فترة لأخرى، ولهذا يختلف دور “أوبك” ولاحقاً “أوبك+” وأثرها في السوق من فترة لأخرى.


تاريخياً كان أثر السحب من المخزون الأميركي محدوداً لأن الكميات كانت محدودة وطريقة إعلان السحب غير مؤثرة. ولكن بعض الباحثين استنتج أنه إذا سحبن كميات كبيرة وأعلنت بطريقة معينة فإن أثرها سيكون في السوق كبيراً، وهذا ما قام به بايدن بالفعل لوجود اقتناع وقتها أن العقوبات على روسيا ستخفض صادراتها بشكل كبير. والأثر الاقتصادي والسياسي لما قام به بايدن لا يقدر بثمن: 

1- توقفت أسعار النفط عن الارتفاع عند حدود 130 دولاراً للبرميل بعد أن كان بعض المضاربين والمحللين يتوقعوت وصولها إلى 200 دولار للبرميل. 

2- انخفضت أسعار النفط بعدها لعوامل عدة، منها السحب من المخزون الاستراتيجي. الأثر الاقتصادي لهذا الانخفاض على الاقتصادي العالمي كبير جداً لأن الأسعار التي انخفضت لأسباب مختلفة، من أهمها السحب من المخزون، انخفضت بأكثر من 40 دولاراً للبرميل. الوفورات للمستهلكين لا تقاس بكمية الانخفاض، ولكن بمقارنة ما ستكون عليه الأسعار لو لم يسحب من المخزون إطلاقاً، بالأسعار في السوق، التي تقدر بالمتوسط بحدود 60 دولاراً للبرميل. هذا يعني أن إجمالي الوفورات للمستهلكين بلغ حدود 180 مليار شهرياً. 

3- استطاع بايدن من خلال توفير النفط والغاز لأوروبا لإبقاءها متحدة في وجه الرئيس الروسي بوتين، وحجم من قدرته على التحكم في القارة العجوز، في الوقت نفسه استطاع السيطرة على أوروبا طاقياً، هذا النجاح السياسي للولايات المتحدة لا يقدر بثمن.

الدرس مما حصل في 2022 واضح تماماً: للمخزون النفطي الاستراتيجي فوائد ضخمة إذا استخدم بشكل صحيح، أضف إلى ذلك فوائد سياسية محلية منها خفض أسعار البنزين، خصوصاً قبل الانتخابات الرئاسية.

ونظراً إلى أن شروط استخدام المخزون ميعت لدرجة أن لا معنى لأي شروط، فإنه من الواضح أن إدارة بايدن ستستخدم المخزون مرة أخرى في الصيف المقبل قبل الانتخابات إذا ارتفعت أسعار البنزين، خصوصاً إذا وصل متوسط السعر في الولايات المتحدة إلى نحو أربعة دولارات للغالون، علماً بأن متوسط الأسبوع الماضي كان بحدود 3.25 دولار للغالون. إذا ترجمنا هذا لأسعار النفط، فإن هذا يعني ارتفاع أسعار خام غرب تكساس من 76 دولاراً حالياً إلى نحو 90 دولاراً. فإذا تجاوزت أسعار خام غرب تكساس 90 دولاراً في صيف هذا العام فإنه يتوقع أن تقوم إدارة بايدن بالسحب من المخزون الاستراتيجي. ولكن قبل ذلك، ستقوم الصين بالسحب من مخزوناتها التجارية والاستراتيجية، لمنع وصول أسعار النفط إلى 90 دولاراً للبرميل. باختصار تتقاطع مصالح الحكومة الصينية مع إدارة بايدن، وسينتفع منها بايدن. هذا لا يعني أن الحكومة الصينية تهدف لمساعدة بايدن، وإنما تحاول دعم اقتصادها، وهذا يفيد بايدن بشكل غير مباشر.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى