باريس «وحيدة» تبحث عن «كلمة السرّ» الرئاسيّة عند حزب الله!
![](https://raiseyasi.com/wp-content/uploads/2022/09/Capture-62.jpg)
كتب ابراهيم ناصر الدين في “الديار”: تجد باريس نفسها وحيدة ودون «انياب» في مقاربة الملف اللبناني في هذه اللحظة المفصلية على ابواب الاستحقاق الرئاسي. لا طهران مهتمة، تكرر مقولتها المعتادة بان هذا الملف يُبحث حصرا مع حزب الله، ولا واشنطن معنية بخوض اي «نزال» على الساحة اللبنانية، وان كانت تتمنى وجود من يقدم لها مرشح معادي لحزب الله على «طبق من فضة»، قادر على الوصول الى بعبدا، لكن الامر مجرد «خيال علمي». اما الرياض، فلا تبدو انها في وارد التراجع عن قرارها بالعودة الى سابق عهدها حين كانت «تقاتل» للحصول على حصتها من «الكعكة» اللبنانية، ودفعت في سبيل ذلك ثمنا باهظا ودون جدوى.
ووفقا لمصادر ديبلوماسية، تجلت «الصدمة» الفرنسية خلال المحادثات الاخيرة في باريس بين وفد سعودي وآخر فرنسي، حيث ابلغ رئيس الوفد القادم من الرياض نزار العلولا نظرائه الفرنسيين، بان «ألف باء» الدخول مجددا الى الساحة اللبنانية ومن «بوابتها» العريضة، نقاش جدي وعملي لوقف ما اسماه «هيمنة» حزب الله على الحياة السياسية في لبنان. وسئل» هل لديكم خطة للقيام بذلك»؟ اجاب :اذا كانت الاجابة نعم فنحن مستعدون! واذا كان الجواب كلا، فلا يراهن احد على دور لنا في اي استحقاق اقتصادي او سياسي.
وفي هذا السياق، المح الموفد السعودي على نحو غير مباشر، بان بلاده مستعدة للمساهمة في هذه الخطة من خلال رفع «الفيتو» عن رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، وعندها لن تستغرق عودته الى بيروت سوى ساعات قليلة، وذلك لاعادة التوازن الى المكون السني، وكمقدمة لانتاج صيغة حكم جديدة تحت «مظلة» الطائف الذي لا يحتاج الى تعديل وانما الى تطبيق.
في المقابل، جاء الرد الفرنسي «باردا» وسط استغراب شديد للطروحات السعودية غير «البناءة» في هذه المرحلة، خصوصا ان المطالبة بنزع «هيمنة» حزب الله عن الحياة السياسية اللبنانية هدف «مطاط» وحمّال اوجه ولا يستقيم مع الوقائع. وبحسب تلك الاوساط، ان باريس ليست في وارد الدخول في «معمعة» خطيرة في الظروف الراهنة والتوازنات المختلة، وكذلك الانشغالات الدولية بالقضايا الاستراتيجية الكبرى والقرار الدولي الواضح والجلي بعدم خلق بؤرة توتر جديدة في الشرق الاوساط الذي يعتبر «المخزون» الاستراتيجي الجديد من الغاز والنفط للدول الغربية.
ووفقا للمعلومات، انتهت النقاشات التي جرت الاسبوع الماضي دون الوصول الى اي تفاهمات، خصوصا ان الوفد السعودي كان واضحا في ردوده على الاستفسارات الفرنسية، وتحدث صراحة عن عدم القبول بتأجيل البحث في مسألة سلاح حزب الله ضمن «سلة» متكاملة تعيد تنظيم الشؤون السياسية والامنية في البلاد. وكان لافتا «الانزعاج» الفرنسي من المقاربة السعودية التي»تصب الزيت على النار، ولا تساهم في تفكيك «الالغام» من طريق الاستحقاقين الرئاسي والحكومي في لبنان. ولهذا جرى التأكيد على استمرار النهج الفرنسي «الحواري» مع الحزب، باعتباره ممرا الزاميا لكل التسويات الممكنة على الساحة اللبنانية.
وفي هذا السياق، ومع عودة السفيرة الفرنسية آن غريو إلى بيروت من الاجازة الصيفية، لاحظ زورا السفارة الفرنسية انها لم تحمل معها اي «خارطة طريق» فرنسية للاستحقاقات المقبلة، وللمفارقة حملت في جعبتها الكثير من الاسئلة، وتبحث عن اجابات لرفعها الى «الكيدورسيه» خلال عشرة ايام؟ ولعل السؤال الاكثر الحاحا بالنسبة لها يتعلق «بكلمة السر» لدى حزب الله ازاء هوية المرشح الذي ينوي خوض معركته الرئاسية؟ وهل ينوي خوضها اصلا ؟ ام يبحث عن تسويات؟ هل يمكن ان يكون مرشحه النائب السابق سليمان فرنجية؟ ما هي حظوظه؟ ولماذا يتريث الحزب في اعلان موقف؟ وهل يمكن ان يؤدي ذلك الى شرخ مع التيار الوطني الحر؟ وهل النائب جبران باسيل قادر على قول «لا» للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، اذا استدعاه واخبره بقرار الحزب؟ ماذا ينتظر حزب الله؟ هل يملك «مفاتيح اللعبة» وحيدا؟ وماذا عن قوة وقدرة المعارضة على خوض «نزال رابح»؟ وهل هناك اي امكانية لتسوية تمنع انزلاق البلاد نحو «الفراغ»؟ وماذ عن حظوظ قائد الجيش العماد جوزاف عون؟ هل يسبب القلق لحزب الله؟ هل ثمة ضمانات يبحث عنها الحزب؟ وهل يمكن ان يكون مرشحا مقبولا في «الربع الساعة الاخيرة» تحت وطأة الخوف من «المجهول»؟
كل هذه الاسئلة حملتها غريو من باريس، وتأمل بالعودة باجابات شافية الى باريس. ووفقا للمعلومات، لن تتردد باجراء محادثات مباشرة مع حزب الله اذا اقتضت الحاجة، او عبر القنوات المعتمدة، لبلورة تصور واقعي للامور، مع تسليم الفرنسيين بانه لا يزال «الناخب الاكبر» على الرغم من فقدانه للاغلبية النايبية في البرلمان، الا ان نفوذه يبقى خارج ساحة النجمة. وبما ان للجميع القدرة على «التعطيل، فانه وحده قادر على بلورة وصياغة تفاهمات قابلة «للحياة». اما ما تريده باريس، فحتى الآن لا تزال الاجوبة عامة، وتختصر «باجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده لتأمين انتظام المؤسسات الدستورية». «لا مرشح مفضل حتى الآن، وانما صفات عامة تخرجه من الاصطفافات السياسية الحالية»، «ليس رئيس تحدي لاحد، بما ان الجميع محكومين بالتسوية». ولهذا يفضل الفرنسيون عدم اهدار الوقت ورعاية تواصل جدي بين القوى المؤثرة لانتاج تسوية «رابح – رابح».
لكن تبقى مشكلة باريس في عدم قدرتها على ممارسة «الضغط» على اي من الافرقاء اللبنانيين، ووفقا لمصادر مطلعة، هي الآن تمارس دورا «استشاريا» لا «تنفيذيا». داخليا لا تملك حلفاء قادرين على خلق التوازن الجدي مع حزب الله، ولا تملك ادوات خارجية للتأثير على الحزب، كما انها لا «تقرأ» في «كتاب» واحد مع الاميركيين والسعوديين. ولهذا «تهرب» من تبني مرشحا بعينه حتى الآن خوفا من «حرقه»، تراقب كما تتدخل بحذر مشوب بالقلق، تأمل ان تتبلور الامور في حدود نهاية الشهر الحالي، لانها تعتبر الدخول في الشهر الاخير دون وجود مبادرات ومخارج واضحة للأزمة ، يشبه الدخول في نفق «مظلم» لا يعرف احد نهايته.