أبرزرأي

باريس تلملم جراحها وقنبلة موقوتة تكاد تنفجر.

تيريز القسيس صعب

خاص-رأي سياسي

تحولت شوارع باريس ومدنها خلال الايام الخمس الماضية إلى فوضى عارمة ما يشبه ساحة حرب أهلية، وذلك اثر مقتل الشاب نائل (١٧عاما) من اصول جزائرية بسلاح شرطي فرنسي.
الا ان هذه الاحداث المتنقلة منذ فترة في باريس بدءا من السترات الصفر وصولا الى المضايقات التي يواجهها أبناء الجاليات كل من الجزائر والمغرب وتونس والتي فجرت غضبهم، فتحت من جديد ملف الضواحي الفرنسية، وما تعانيه من إهمال وتهميش، على مدار سنوات، أدت إلى تفشي البطالة والفقر بين سكانها، ومضايقات من قبل السلطات الفرنسية لاسيما ما يتعلق بقانونية دخولهم واقامتهم على الاراضي في فرنسا.
الا ان الاعتداءات الاخيرة، الاسبوع الفائت طرحت اسئلة عدة حول كيفية مراقبة طالبي الدخول الى دول الشينغين، وطالبي الجنسية الفرنسية حيث لوحظ مشاركة عدد كبير من الشباب التي تتراوح أعمارهم بين ١٤ و١٦ عاما في هذه المواجهات، فعمدوا الى تدمير الممتلكات العامّة، وإحراق السيارات، ونهب المتاجر، والاشتباك مع الشرطة.
واعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال لقائه رؤوساء البلديات التي تاثرت باحداث قتل نائل إن “ثلثا الأشخاص الذين أوقفتهم الشرطة على خلفية أعمال نهب وشغب، وعددهم ٨٧٥ شخصا، كانوا من الشباب و”أحيانا فتية صغار جدا”. وطالب بوضع قانون يسمح لاهاليهم بدفع غرامات اذا كان الاولاد غير راشدين.

هذه الاحداث المتنقلة بدءا من باريس وصولا الى مدن فرنسية أخرى مثل ليون، مارسيليا و نيس …وغيرها حيث تواجد الجاليات المغربية والجزائرية، كشفت عجز وقصور الدولة الفرنسية في معالجة سياسة تطوير مناطق الضواحي على الرغم من الإيجابيات التي حققتها السياسات الحكومية المتعاقبة في هذا المجال في تقديم الكثير من الخدمات والمساعدات لهم.
فمنذ فترة طويلة، تسعى “الجمهورية الثانية” إلى تطوير وتحديث نظام العيش في الأحياء الشعبية خصوصا وان قسما كبيرا من البرلمانيين اعتبرها جيدة، في حين ان أحزاب المعارضة اعتبرتها غير منتجة وتشكل تهديدا للمجتمع الفرنسي لأنها لا تعالج الازمات الاجتماعية والانسانية في الصميم، بل تكتفي باظهار الوجه الخارجي والحضاري للدولة الفرنسية.

ويتبين بعدما تراجعت المواجهات بشكل نهائي، ما ظهرت عليه الشوارع الفرنسية من عنف، يؤشر إلى حالة من الاحتقان والاشمئزاز في أوساط سكان الضواحي الفرنسية كلما حاولت الشرطة الفرنسية مواجهة هذه الجاليات والتي يعتبرها بعض الفرنسيين انها باتت تشكل عبءا ثقيلا على فرنسا.
ويلاحظ اليوم الانقسام الواضح بين القيادات والمسؤولين الفرنسيين في طريقة مواجهة أو حل الأزمة.
فالبعض يلوم الحكومة ويحملها مسؤولية تجاهلها عنف الشرطة العنصري منذ عقود، وهي تدفع الآن الثمن لاسيما وان تدخل الشرطة مع ما يسمى “السود” او من أصل شمال أفريقي، أكثر عرضة لعمليات التحقيق في كيفية الدخول الى فرنسا وطريقة العيش فيها مقارنة بباقي سكان الجاليات الأخرى.
ويعتبر مراقبون حقوقيون في باريس، أنه ومع تراجع حدة الاعتداءات والمواجهات فإن هذا لايعني اطلاقا أن الأزمة قد تم حلها، وأن القطيعة والعزلة التي يعيشها سكان هذه الضواحي ستبقى بمثابة “قنبلة موقوتة” قد تنفجر في كل مرة مع وقوع أي حادث طارئ مع هذه الشريحة من الجاليات.
وبحسب المتابعين فإن سياسة تطوير الضواحي الفرنسية، وعلاج مشكلاتها والمعروفة بسياسة “المدينة” والتي يسعى ماكرون الى تحقيقها، أثبتت فشلا حتى الآن، لتركيزها على الجانب الشكلي التجميلي، في علاج عشوائيات المساكن، وتحسين سبل ربط الضواحي بالمدن الفرنسية، عبر مواصلات أفضل، لكن الأمر يحتاج إلى علاج جذري، يركز على رفع الغبن، وإزالة مظاهر وأسباب التمييز العرقي، واحتواء الجيل الناشئ في تلك المناطق، من أجل سلام اجتماعي يدوم.
وكانت حدة أعمال العنف تراجعت تدريجيا في العاصمة الفرنسية، بعد أسبوع من الاحتجاجات على مقتل الفتى نائل من اصول جزائرية لعدم امتثاله بالتوقف.
وقد تمددت الاعتداءات وتوسعت لتشمل مختلف المدن والمناطق في باريس، مما تسبب باضرار جسيمة جدا في الممتلكات والمحال التجارية قدرة بحوالى ٢٠٠ مليون يورو.
وامس اعتبر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال لقائه رؤساء بلديات المدن التي شهدت توترات امنية أن “ذروة” أعمال الشغب قد مرت، لكنه أبدى “حذرا شديدا” حيال العودة إلى الهدوء.

القطاع السياحي

غير ان اعمال العنف التي تنقلت من الشمال إلى الجنوب، كان لها تداعيات اقتصادية وسياسية في آن معا، واستدعت تحركا سريعا من المراجع العليا في فرنسا لاعادة ضبط الوضع، وعودة الهدوء إلى الأحياء والضواحي والمدن.
هذا الوضع المتوتر اثر سلبا على القطاع السياحي في البلاد،
فشهدت الفنادق “موجة من إلغاء الحجوزات في جميع المناطق المتضررة جراء التخريب والصدامات وصلت الى٢٥%.
وقد طالبت النقابات السياحية والفنادق السلطات بالتحرر السريع واعادة ضبط الوضع انقاذا للموسم السياحي.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى