انقسامات داخلية وضغوط تركية: طريق «التطبيع» السوري ليس معبّداً

ثمّة انقسامات داخل الإدارة السورية وضغوط تركية قد تقيّد مسار التطبيع مع الاحتلال، وسط تحفظات داخلية وعقبات ميدانية تعيق فرض اتفاق شامل.
كتب عامر علي, في الأخبار:
على الرغم من الحديث المتزايد حول ملف تطبيع العلاقات بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل، وما رافقه من تداول سيناريوات يمكن تطبيقها، لا يبدو الطريق إلى التطبيع بهذه السهولة؛ إذ تعترضه جملة من المطبّات والعقبات، بعضها مرتبط بالقوى الداعمة للإدارة في دمشق، وبعضها الآخر يتعلّق بإسرائيل نفسها.
وبينما يجري افتراض وجود توافق كلّي بين الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في ظل إعلان الأول، أكثر من مرة، رغبته في تحييد سوريا عن جميع الصراعات في المنطقة، وحديث مسؤوليه عن مخطّط يهدف إلى «تصفير مشاكل سوريا الخارجية» مع نهاية العام الحالي، لا يمكن اعتبار تلك الرغبة عنصر حسم للقضايا الشائكة، ذلك أن ثمة انقساماً داخل جماعة الشرع نفسها، مصحوباً بضغوط تركية لـ«فرملة» الانخراط الكلي في مشروع التطبيع.
ويفسّر ما تقدّم، ميل الحكومة السورية الحالية إلى استعمال مصطلح «اتفاقية أمنية» للتعبير عن المباحثات الحالية مع تل أبيب، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء دوليين، بينهم واشنطن، لما يمثّله هذا المصطلح من صيغة فضفاضة غير ملزمة بشيء محدّد، ما لم يتم الاتفاق فعلاً.
ولم يدلِ الشرع، منذ عودة الحديث عن مساعي التطبيع مع إسرائيل، في إطار اتفاقيات «آبراهام» الأميركية، بأي تصريح يوضح حقيقة هذه المباحثات؛ وهو إذ لم ينفِها ولم يؤكّدها، فقد اكتفى بالإشارة إلى وجود تواصل لأهداف أمنية.
ومن جهتها، نشرت قناة «الجزيرة» القطرية، أمس، تصريحات منسوبة إلى مصدر سوري رسمي، لم تسمِّه، قال فيها إن ما يجري نقله في الوقت الحالي حول اتفاقية التطبيع «سابق لأوانه»، وإنه «لا يمكن الحديث عن احتمالية التفاوض حول اتفاقيات جديدة إلا بعد التزام إسرائيل الكامل باتفاقية فكّ الاشتباك لعام 1974، وانسحابها من المناطق التي توغّلت فيها»، في إشارة إلى المناطق التي احتلتها إسرائيل بعد سقوط نظام بشار الأسد، بحجة أن اتفاقية عام 1974 أصبحت مُلغاة مع سقوط النظام.
أمّا التصريحات التي نشرتها «الإخبارية السورية» الرسمية في وقت لاحق أيضاً، فلم تتطرّق إلى مسألة الجولان السوري المحتل، والذي يمثّل، إلى جانب المناطق التي احتلتها إسرائيل بعد سقوط الأسد، عقدة كبيرة، في ظل إصرار إسرائيل على الاحتفاظ به، خصوصاً بعد أن حصلت على اعتراف ترامب بسيادتها عليه. وفي وقت يدور فيه حديث عن قبول الشرع التخلّي عن الجولان، في ظل تجاهل هذا الملف، يبقى ملف المناطق الإضافية التي احتلتها إسرائيل معقّداً أيضاً؛ إذ تكشف التحركات الإسرائيلية هناك عن خطة لضمان وجود طويل بحجة إنشاء حزام أمني متقدّم، يشمل المرتفعات الجبلية، وعلى رأسها قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، التي تكشف سوريا ولبنان والأردن. ويعني ذلك أن الشرط الذي تحدّث عنه المصدر السوري إلى القناة القطرية، ربما يلمّح إلى ضرورة تقديم إسرائيل تنازلات، وهو أمر يبدو بعيداً عن الواقع، في ظل قدرة الأخيرة على الاحتفاظ بهذه المناطق، وغياب أي مخاطر فعلية على وجودها فيه.
لا يمكن إهمال الرأي الشعبي في سوريا تجاه التطبيع، خصوصاً سكان المناطق الأكثر تضرراً في هذا الملف
وبالإضافة إلى ما تقدّم، لا يبدو أن الحديث عن توقيع اتفاقية بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل، يثير حماسة تل أبيب، التي تسرّب عبر صحفها وتصريحات مسؤوليها بين وقت وآخر تقديرات مختلفة، بعضها يتحدّث عن تحصين سيطرتها على الجولان، وبعضها الآخر يدور في فلك «الاتفاقات الأمنية»، خصوصاً أن الإدارة السورية، وعلى الرغم من الدعم الأميركي المعلن لها، لا تزال هشّة.
كما تواجه هذه الإدارة مشاكل داخلية عديدة، بعضها يتعلق بتركيبتها التي تضمّ مقاتلين متشددين، وبعضها الآخر يتعلق بملف «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، بالإضافة إلى السطوة التركية الكبيرة على قراراتها.
وتبدو النقطة الأخيرة الأكثر أهمية بالنسبة إلى تل أبيب، التي أعلنت صراحة رفضها أي تمدّد تركي عسكري في سوريا، وقامت بقصف منشآت عسكرية وسط سوريا حاولت تركيا إقامة قواعد عسكرية فيها.
كذلك، لا يمكن إهمال الرأي الشعبي في سوريا تجاه التطبيع، خصوصاً سكان المناطق الأكثر تضرراً في هذا الملف، بمن فيهم سكان الجولان أنفسهم، إذ أصدر «ملتقى الجولان للبناء والتنمية» بياناً أكّد فيه أن «أبناء الجولان المحتل يطالبون بالاعتراف المحلي والعربي والدولي بالقرارات الأممية التي تقضي بانسحاب الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف بالحقوق المشروعة لأبناء الجولان في استعادة أراضيهم بكل الوسائل، وتعويضهم عن جميع الأضرار منذ عام 1967 وحتى اليوم، وإجراء استفتاء شعبي لجميع السوريين ومنهم أبناء الجولان لإعطاء التفويض للدولة السورية بالقيام بأيّ تفاوض أو خطوات سياسية ودبلوماسية تضمن حقوقهم الكاملة».
وأمام العقبات العديدة، تبقى بعض العوامل المشتركة التي قد تمهّد التواصل بين تل أبيب ودمشق، أبرزها العداء المشترك لإيران، والتزام الإدارة السورية بالشروط الأميركية المتمثّلة بتقويض نشاط الفصائل الفلسطينية على الأراضي السورية، ومنع أي عمليات نقل أسلحة للمقاومة.
وبشكل عام، لا يمكن التأكّد من شكل الاتفاقات الأمنية التي يجري الحديث عنها، في ظل وجود تسريبات عن إمكانية الاستعانة بقوات أميركية تحلّ مكان القوات الإسرائيلية في المناطق التي احتلّتها تل أبيب بعد سقوط نظام الأسد، أو إيجاد سبل يمكن من خلالها «ضمان أمن إسرائيل».