انفلات الدولار من عقاله يحوّل لبنان الى “عصفورية”

كتب حسين زلغوط.
خاص رأي سياسي…
بالأمس تحول لبنان الى ما يشبه العصفورية ، فالدولار فلت من عقاله، وترك حبل اسعار المواد الغذائية والمحروقات على غاربه، فيما المسؤولين منشغلون بالنكد السياسي ورفع المتاريس بعد ان بات الافق الداخلي مسدودا امام اية حلول لأزمة الاستحقاق الرئاسي.
صحيح ان الاتحاد العمالي العام استفاق من كبوته بالامس وقرر اجراء مروحة من الاتصالات والمشاورات قبل الاعلان عن موعد للأضراب العام ، مع انه يعي تماما ان اي اضراب في ظل حكومة تصريف اعمال، وفي ظل خزينة فارغة، وامام شعب محبط فاقد الثقة بكل الطبقة السياسية وحتى النقابية لن يعطي اي نتيجة. فالحكومة اتخذت في مراحل متفاوتة خطوات ترقيعية على مستوى رفع بدل النقل اليومي والتقديمات الاجتماعية غير ان هذا الامر كان يتآكل ويفقد قيمته قبل ان يصبح حيز التنفيذ بفعل الارتفاع المتسارع في سعر الدولار مقابل إنهيار الليرة .
واذا كان التحرك النقابي هو مطلب ملح في ظل الارتطام الكبير الذي يشهده لبنان على المستويين الاقتصادي والمعيشي، غير ان هذا التحرك ان حصل ، فانه يأتي متأخرا حيث ان الازمة سبقته كثيرا ولم يعد لديه القدرة على مقاربتها بالشكل الجدّي والمنتج.
ان الاتحاد العمالي وغيره من القوى يعي تماما ان اي تردي في الوضع الاجتماعي هو ناجم عن عدم الاستقرار السياسي ، وان المعالجات هي سياسية بامتياز، نعم كان يتوجب على الحكومة وضع خطة طوارئ اقتصادية لمواجهة الازمة في بداياتها غير ان الخلاف السياسي والضغوطات الخارجية التي تستفيد من هذه الخلافات حالت ولا تزال دون وضع خطة نهوض اقتصادية مستدامة تجنّب لبنان من الانزلاق الى قعر البئر.
من هنا ،أكد مصدر وزاري في حديث لـ”رأي سياسي” ان الحكومة حاولت القيام بما يلزم لفرملة الانهيار الحاصل لكن هذا تم على قاعدة “العين بصيرة، واليد قصيرة” ، وللأسف كانت في كل مرة تأخذ فيها قرارات لتحسين الظروف المعيشية تواجه المزيد من التدهور ويصبح كل شيء اقرته بلا اي قيمة، فنحن بتنا في سباق مع الازمة ويبدو ان الظروف تعاكسنا لاسباب داخلية وخارجية تمنع عنا اللحاق بالازمة للعمل على معالجتها، فالضغوط الخارجية متعددة، والخزينة فارغة، وانتاجية معدومة ، لكن هذا لا يمكن ان يعفينا من القيام بواجباتنا ، وان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بصدد توجيه دعوة لعقد جلسة قريبة لمجلس الوزراء للبحث في الاجراءات التي يمكن اتخاذها للحد من تفاقم الازمة الموجودة، لان استمرار الوضع على حاله من الانهيار الدراماتيكي سيوصل حتما الى انفجار اجتماعي يكون له ارتدادات ربما امنية تغرق البلد بالفوضى.
وامام هذا المشهد المربك فان المصدر يرى ان الممر الالزامي للحل يكمن في انتخاب رئيس للجمهورية باسرع وقت، مع عودة انتظام عمل المؤسسات ، على ان يترافق ذلك مع اتخاذ رزمة اصلاحات تكون كافية لعودة الثقة بلبنان من المجتمع الدولي ليتسنى له تقديم يد العون للبنان للخروج من ازماته “العنكبوتية”.
في اعتقاد المصدر ان الانشطار السياسي الموجود يزيد من تفاقم الوضع المعيشي بحيث ان النكد السياسي الموجود يجعل التفاهم على ابتداع صيغ حلول للمشاكل الموجود مستحيلا، واكبر دليل على ذلك مقاطعة قوى وازنة للجلسات الطارئة للحكومة والتي هي جلسات تخصص للقضايا الملحة وذلك تحت حجة رفض المس بصلاحيات رئيس الجمهورية ، وكأن اتخاذ القرارات التي تساعد الناس على تجاوز الازمة، او مساعدة بعض القطاعات الحيوية على الصمود فيها انتقاص من مقام رئاسة الجمهورية، فالدستور واضح وهناك اعراف اتبعت في ظروف مماثلة، فلماذا الذي كان حلالا بالامس اصبح حراما اليوم والعكس صحيح. ان حجم الازمة يتطلب من الجميع التواضع ومقاربة الامور الخلافية بواقعية ، لا سياسة اقفال الابواب، وحرق المراكب ستؤدي الى سقوط الهيكل وفي حال سقط فانه سيسقط على رؤوس الجميع وساعتئذ لا ينفع الندم.
ويخلص المصدر الى التأكيد بان الازمة الاقتصدية ستستمر في منحاها التصاعدي في حال لم يسارع المعنيين الى اعتماد اجراءات اصلاحية يعتبرصندوق النقد الدولي المدخل الاساس لاي حل منشود.