رأي

انتفاضة عالمية ضد إسرائيل

يوماً بعد يوم يتسع الإجماع الدولي الرافض للخطط الإسرائيلية لإعادة احتلال قطاع غزة، بالتوازي مع استفحال الانقسام في الداخل وتحذيرات جديدة من أن هذه المقامرة غير المحسوبة ستؤدي إلى خسارات متعددة المستويات، أهمهما العزلة الدولية وانهيار الاقتصاد، وعارٌ أبدي يتلطخ بسجل شائن من الجرائم ضد الإنسانية.
إصرار حكومة التطرف في تل أبيب على الإيغال في دماء الأبرياء المجوَّعين والمحاصرين في غزة والذهاب إلى تعميق الكارثة باحتلال شامل جلب عليها لعنة طويلة الأمد، وقلب معادلتها القائمة على التضليل منذ عقود رأساً على عقب، لصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وها هي أستراليا قد حزمت أمرها وقررت الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل، معتبرة «حل الدولتين» أفضل أمل للإنسانية، لإنهاء الصراع والمعاناة والجوع. وهاهو وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو، الذي تدرس بلاده الانضمام إلى «التسونامي العالمي» الداعم للفلسطينيين، يكسر جدار الصمت، ويصرح بأن إسرائيل «فقدت الصواب والإنسانية»، وما تقترفه «نكران تام للقانون والقيم المؤسِّسة لحضارتنا»، وأن الرد على ذلك لا يجب أن يقتصر على بيانات الإدانة.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد اعتبر أن خطط بنيامين نتنياهو تنذر بكارثة لم يسبق لها مثيل، وستجرّ المنطقة إلى «حرب دائمة»، واقترح تشكيل تحالف دولي بتفويض من الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في غزة. أما الموقف الأمريكي الذي مازال يجاهر بانحيازه المطلق لتل أبيب، فيواجه حرجاً غير مسبوق، وفي جلسة مجلس الأمن الأخيرة وجدت واشنطن نفسها وحيدة مجردة من الحلفاء، وهو ما قد يدفعها لاحقاً إلى تعديل سياستها الحالية، والشاهد على ذلك ما صرح به وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش الذي أقر بأن «الضغوط الدولية تُرهقنا، وحتى الإدارة الأمريكية الصديقة جداً بدأت تفقد صبرها».
كل هذه المواقف لا يمكن الاستهانة بها في الحاضر والمستقبل، وربما سترسم خطاً بيانياً جديداً للأحداث والتطورات بعيداً عن الأوهام التي ينسجها خيال نتنياهو. وللمرة الأولى منذ نحو ثمانية عقود لا تجد إسرائيل من يصدق ادّعاءاتها الكاذبة، ولم يعد بمقدورها أن ترمم صورتها المشوهة بمشاهد المجازر المروعة وهياكل الأطفال العظمية بسبب سياسة التجويع المجرّمة، وبالمذابح التي ترتكبها بحق الكوادر الطبية والإغاثية والإعلامية، وآخرها القتل المتعمد مساء الأحد لخمسة من الصحفيين الأبرياء في باحة مجمع الشفاء بوسط مدينة غزة. وهذه الجريمة لها ما بعدها، لأنها تهدف إلى طمس كل الصور والحقائق عما يجري من إبادة للناس وتحضير لاجتياح واسع النطاق. أما الحقيقة الوحيدة التي لم تستوعبها إسرائيل بعد، فهي أن كل جريمة ترتكبها وكل انتهاك تقترفه، يجلب عليها نقمة دولية وينفضّ من حولها صديق أو حليف أو شريك، وهذه النتيجة لم تحسب حسابها عندما أطلقت العنان لآلتها الحربية المسعورة لتدمير قطاع غزة والعدوان على مناطق عدة في المنطقة، لأنها كانت تتوهم أن تصرفاتها فوق القانون الدولي وتحظى بحماية الدول الكبرى، أما اليوم فإن المعادلة تغيرت، وأصبحت تواجه انتفاضة عالمية تحاصرها من كل مكان وتطاردها ملاحقات أمام القضاء الدولي، وهذه هي الحقيقة المستجدة أمام إسرائيل، وعليها أن تتهيأ لما هو آتٍ.

المصدر: الخليج

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى