انتخابات في ظل حرب عالمية
كتب طوني فرنسيس في “اندبندنت عربية”:
كان العالم يعاني تداعيات انتشار وباء كورونا عندما داهمته الحرب الروسية -الأوكرانية، لكن بلداناً ومناطق أخرى كان لها ما يكفي ويزيد من مشكلاتها الخاصة. لبنان البلد العربي الصغير هزته الأزمة المالية الاقتصادية عشية تفاقم الوباء، فاندفع سكانه في انتفاضة شعبية تنادي بتغيير الحكام، إلا أن الأزمة تصاعدت والحكام استمروا في مواقعهم تحميهم ميليشيات مسلحة ذات ولاء إيراني.
بات اللبنانيون يواجهون أزمتين في آن واحد إضافةً إلى الوباء: الانهيار المعيشي الشامل وضياع الدولة لمصلحة الميليشيات، ثم جاء انفجار بيروت ليدمر ثلث المدينة ويقتل ويشرد الآلاف من سكانها ليضيف عنواناً رابعاً لتراكم المصائب اللبنانية، وعندما هاجمت روسيا أوكرانيا اكتمل قوس الأزمات، فمصدر القمح، الغذاء الرئيس للمواطنين في أوكرانيا وروسيا، عدا مكونات أخرى، والسلطة التي تعاطت بلا مسؤولية مع المشكلات السابقة أكملت مسيرتها تجاه الطارئ الجديد، فهي لم تكن يوماً وليست الآن في وارد التخطيط لتأمين احتياط غذائي استراتيجي، ولو اكتشفت صدفةً أن لديها إهراءات قمح تفوق سعتها سعة نظيرتها في مرفأ بيروت المدمرة.
لبنان المُثقل بأزماته الخماسية وهو يستعد لانتخابات نيابية كبلد ديمقراطي برلماني، في منتصف شهر مايو (أيار) المقبل، الناخبون فيه ليسوا بحاجة إلى برامج ووعود انتخابية. فالأزمات المتراصفة تشكل برنامجاً متكاملاً صاغته السلطة القائمة بنفسها لتطرحه على ناخب عليه أن يختار بين الرضوخ لمنتجي ومديري الأزمة أو التصويت لاستبدالهم.
وفي الديمقراطيات الغربية تحول وباء كورونا والمواجهة مع روسيا إلى عامل أساس يأخذه صانعو الانتخابات في عين الاعتبار. في فرنسا وأوروبا سيكون الاعتماد في مجال الطاقة على روسيا ناخباً رئيساً، في الامتحان الرئاسي الفرنسي، وفي أي انتخابات تجري في بلدان أوروبية أخرى. كذلك الأمر في الولايات المتحدة الأميركية، حيث ترتبط الانتخابات النصفية للكونغرس بسلوك القوى السياسية، في السلطة والمعارضة، تجاه السياسة الروسية وقبلها تجاه الصين وطريقة إدارة مكافحة كورونا.
في الانتخابات اللبنانية الشديدة الأهمية في توقيتها وظروفها تتشابك العوامل المحلية بتلك الطارئة ليس نتيجةً لافتعال ثقافي سياسي، بل لأن الخارج يضع ثقله في هذه الانتخابات. والعامل الخارجي الأبرز هو الإيراني الحاضر بقوة عبر تنظيمه اللبناني الناشط الممسك بغالبية الطائفة الشيعية، ويتمدد ليضم قوى في طوائف أخرى، ليتمكن من الحفاظ على أغلبية نيابية حققها في انتخابات 2018، واحتفى بها في حينه قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني.
وإضافة إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا، يُفترض أن يكون التفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني في فيينا قد انتهى قبل مايو إلى نتيجة ما. وفي انتظار النتيجة لم تتأخر طهران في استنفار أذرعها والدخول مباشرة على خطوط التوتير العام في المنطقة. لم يكن قصفها لمواقع في كردستان العراق بحجة الرد على إسرائيل بعيداً من ضغطها على حكومة كردستان والعراق بشكل عام من أجل فرض تعيين حكومة ملائمة لتوجهاتها، وما نُشر عن احتمال رفع أميركا الحرس الثوري من لائحة الإرهاب، سيعزز الميل الإيراني للتدخل، مدعوماً بقدرات مالية إضافية، يتيحها رفع أميركا العقوبات عن إيران.
سارعت تل أبيب إلى التعبير عن رفضها هذا الاحتمال. وفي بيان مشترك لرئيس الحكومة نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لبيد أكد أن “الحرس الثوري هو منظمة إرهابية يستحيل علينا التصديق بأن الولايات المتحدة ستلغي تعريفه كمنظمة إرهابية”.
واعتبر البيان الإسرائيلي أن “الحرس الثوري هو حزب الله في لبنان، والجهاد الإسلامي في غزة، والحوثيون في اليمن والميليشيات في العراق”. وختم “نؤمن أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن أقرب حلفائها مقابل الوعود الفارغة التي يطلقها الإرهابيون”.
الرد الإسرائيلي ليس مفاجئاً، لكن ماذا ستفعل أميركا المتمسكة بالعودة لخطة العمل المشتركة؟ الأيام المقبلة ستكشف ما سيحدث، لكن لإدارة بايدن سوابق، فهي التي رفعت العقوبات عن الحوثيين فور توليها مهامها، وهي المتهمة بالتراخي إزاء عدوانية إيران على امتداد الجزيرة وبلاد الشام والرافدين.
في مناخات تراكم العقد والمصائب سيقترع لبنان في مايو بموجب قانون انتخابي وسط انسحاب قادة طائفة أساسية (السنِّية) من المعركة الانتخابية، لا تتهدد فقط آمال اللبنانيين بالخروج من أزمتهم المالية والاقتصادية الاجتماعية، وإنما يتحدد مصير لبنان بوصفه رسمياً دولة تابعة لطهران وتحت نفوذها “الشرعي”.
قال أحد مرشحي “حزب الله” للانتخابات، “إنه يستجيب لرغبة ورأي الفقيه علي خامنئي ويخوض معركة انتظار المهدي”، وهذا لسان حال زملائه ممن سيصبحون قادة السلطة في لبنان، كما أعلن زعيم الحزب حسن نصر الله، أن معركته لتأمين فوز مرشحي الحلفاء في الطوائف الأخرى لضمان الأغلبية البرلمانية. ولن يكون ذلك صعباً إذا لم ينتبه الناخب إلى حزمة الأزمات التي تحاصره، ومسؤولية تحالف الميليشيات والفساد، عن استمرارها وتضخمها في وضع إقليمي ودولي مكفهرّ.