رأي

انتخابات فرنسا.. لماذا برلين قلقة رغم هزيمة اليمين المتطرف؟

كتب كريستوف هاسلباخ في DW.

لماذا تشعر ألمانيا بالقلق رغم ارتياحها بعد هزيمة اليمين المتطرف في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية المبكرة؟ أين يكمن القلق الألماني رغم زوال خطر مجيء حكومة فرنسية يقودها التجمع الوطني اليميني المتطرف؟

تنفست برلين الصعداء وكان هناك ارتياح بعد ظهور نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية المبكرة. وقال الناطق باسم الحكومة الألمانية، شتيفن هيبشترايت بحذر: يسود “شيء من الارتياح، لأن الأشياء التي كان يُخشى حدوثها لم تحدث”. وكان المستشار الألماني أولاف شولتس قد أعرب عن قلقه من تشكيل حكومة يقودها التجمع الوطني اليميني المتطرف. لكن هذا القلق من اليمين قد تبدد الآن على الأقل في برلين.

تصدرت الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية نتائج الجولة الثانية للانتخابات وخلفها تحالف الرئيس ماكرون ثم التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي كان قد تصدر الجولة الأولى للانتخابات.

وقال كيفن كونرت، الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي، حزب المستشار شولتس، في حوار مع القناة الألمانية الثانية (ZDF): لقدانزاح هم كبير “عن قلوب كثيرين، وقلبي أيضا”. وغردت الرئيسة المشاركة لحزب الخضر، ريكاردا لانغ قائلة “شكرا فرنسا/ Merci France” مع وسم ثلاثة قلوب بألوان العلم الفرنسي.

ميلانشون “مناهض لألمانيا بكل معنى الكلمة

لكن رغم هزيمة اليمين، ليست هناك فرحة حقيقية في ألمانيا، حيث هناك قلق كبير من أن يكون اسم رئيس الوزراء الفرنسي القادم، جان لوك ميلانشون. فمؤسس حزب فرنسا الأبية اليساري المتطرف، أكبر أحزاب التحالف اليساري، أعلن عنأحقيته برئاسة الحكومة الجديدة.

وحذر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، ميشائيل روت النائب عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، من أن يضطلع ميلانشون بدور مهم في السياسة الفرنسية، وقال في حوار مع صحيفة “تاغس شبيغل” إن “ميلانشون مناهض لألمانيا بكل معنى الكلمة. إنه لا يختلف كثيرا عن السيدة لوبان في خطاباته المناهضة لألمانيا وأوروبا…ليس هناك سبب للثقة بميلانشون. إنه أيديولوجي مناهض لأوروبا ومتهور”.

لكن في كل الأحوال يحتاج التحالف اليساري أي الجبهة الشعبية الجديدة، لشريك ليستطيع تشكيل الحكومة، لأنه لا يتمتع بالأغلبية المطلقة في البرلمان.

هل هناك خطر حدوث أزمة ديون سيادية أوروبية جديدة؟

وبالإضافة إلى ذلك هناك مخاوف في ألمانيا، من التراجع عن جهود الرئيس إيمانويل ماكرون بشأن ضبط الميزانية. فمثل التجمع الوطني اليميني المتطرف، يريد التحالف اليساري أيضا التراجع عن إصلاحات ماكرون لنظام التقاعد، وهذا لوحده سيكلف ميزانية الدولة كثيرا.

“والآن تعاني فرنسا من مشاكل مالية، ولديها ديون مرتفعة للغاية” قالت رونجا كامبين، الباحثة الخبيرة في الشؤون الفرنسية في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين، في حوارها مع DW قبل الانتخابات الفرنسية. وهذا يهدد بحدوث أزمة ديون سيادية أوروبية جديدة كما حصل قبل 15 عاما. ومن شأن هذا أن يخلق مشكلة لألمانيا أيضا لأنها مسؤولة عن دول اليورو الأخرى أيضا.

وكان التحالف اليساري قد أعلن عن سلسلة كاملة من الإجراءات المكلفة في حالة تشكيله الحكومة: فبالإضافة إلى التراجع عن إصلاح نظام التقاعد، على سبيل المثال يريد تجميد أسعار الطاقة والغذاء، وزيادة مساعدات الإسكان وتوسيع نطاق الخدمات العامة. وهذا يمكن أن يكلف ما مجموعه 125 مليار يورو في أول عامين. ومن الآن هناك عجز في الميزانية الفرنسية لا يتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي.

وربما ليس لدى ميلانشون، المعارض المعروف للاتحاد الأوروبي، أي فكرة واضحة عن قواعد العجز في الاتحاد الأوروبي، لأنه يدرك أيضاً أن فرنسا، باعتبارها الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، هي أكبر من أن يُسمح بإفلاسها، فهي ببساطة أكثر أهمية من أن يتم التخلي عنها.

حينها سيطلب من ألمانيا، باعتبارها صاحبة أقوى اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، أن تتدخل بتقديم الضمانات. وسيكون هذا أمرا حساسا سياسيا وماليا بالنسبة للحكومة الألمانية، التي هي نفسها تواجه أكبر المشاكل في وضع ميزانية تتوافق مع المعايير الدستورية.

بدل الوضوح هناك “ضباب كثيف فقط” في فرنسا

لكن الصعوبات المتوقعة في تشكيل حكومة جديدة في فرنسا تعتبر مشكلة بالنسبة لألمانيا، لأنها تؤدي إلى حالة من عدم اليقين. ودعا ماكرون إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة بعد الأداء الضعيف لمعسكره الحكومي ونجاح حزب التجمع الوطني في الانتخابات الأوروبية من أجل خلق “وضوح”.

لكن ما حدث هو العكس، كما يقول جايل سليمان من معهد أودوكسا الفرنسي للاستطلاعات “الآن نجد أنفسنا في حالة من عدم اليقين التام – في ضباب كثيف جدا”.

ويمكن للمجموعات الرئيسية الثلاثة في الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) أن تعرقل بعضها البعض وتغرق الدولة شديدة الاستقطاب في أزمة سياسية. وتحالف اليسار معاد لمعسكر ماكرون ومنقسم داخليا أيضا، وميلانشون غير مرحب به من قبل الأطراف الأخرى في التحالف. ولم يكن الاتفاق على مرشح مشترك لمنصب رئيس الوزراء ممكنا.

ويتعين على أي حكومة ائتلافية بين “الجبهة الشعبية الجديدة”، التي يميل جزء منها إلى اليسار الراديكالي، ومعسكر ماكرون الليبرالي، أن تجمع بين مواقف لا تكاد تكون متوافقة. وهناك أيضا التناقض مع الرئيس ماكرون نفسه، الذي لا يزال في منصبه. وهذا يعني أن سياسة أوروبية ألمانية فرنسية طموحة غير ممكنة عمليا.

كابوس برلين.. الانتخابات الرئاسية 2027

ويفكر الساسة في برلين في الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة عام 2027، التي لا يسمح لماكرون بالمشاركة فيها بعد ولايتين. وقد صرحت مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف بعد الانتخابات بأن فوز حزبها، التجمع الوطني “قد تأجل فقط”.

وإذا خيبت الحكومة القادمة آمال الفرنسيين، فإن ذلك سيعزز حظوظ مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية عام 2027 ويمكن أن تصبح رئيسة فرنسا بعد ماكرون. وحينها “ستكون لدنيا أوروبا مختلفة تماما” حسب رأي خبيرة الشؤون الفرنسية، رونجا كامبين. بيد أنّ خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي واليورو، لم يعد واردا بالنسبة إلى مارين لوبان، فإنها تعلمت من إخفاقاتها السابقة أيضا.

وفي كل الأحوال سيكون ذلك بمثابة كابوس للحكومة الألمانية في برلين والنهاية المؤقتة للشراكة الألمانية الفرنسية بشكلها المعتاد. وفي حين أن هذه الفكرة لا تزال مجرد تكهنات، يجب على الساسة في برلين منذ الآن الاستعداد لمزيد من عدم اليقين في التعاون مع باريس.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى