انتخابات طرابلس: المستقبل ضائع ميقاتي يرتب أوراقه والمجتمع المدني يتوعد

– ليبانون فايلز
في عز الانهماك اللبناني في البحث عن نافذة تطل على الخليج وتزيل غيوم الاحتقان الداكن بين البلدين، خرج الرئيس نجيب ميقاتي من قلب مدينته ليؤكد ثوابته “الطرابلسية” التي لا تحيد قيد أنملة عن تلك التي يرددها الشارع السني، الممتعض هذه الايام من تصرف رئيس الحكومة حيال الازمة مع المملكة العربية السعودية. ميقاتي وضع ثلاثة أسس للتحاور، هي:
– استقلالية القضاء، ومن خلاله حماية الدستور والمؤسسات.
– صون انتماء لبنان العربي.
– الحفاظ على علاقات الأخوة مع الأشقاء العرب، وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية.
هذه الأسس، التي تحدث عنها ميقاتي والتي أكد أنها جزءا من قناعاته الوطنية والشخصية، هي في واقع الامر السلاح الذي تخاض عبره الانتخابات النيابية، ويضاف اليها سلاح حزب الله الذي فضل ميقاتي الابتعاد عنه وتركه لساحة نادي الرؤساء السابقين يصول ويجول في بياناتهم. أما خلف تلك الأسس، التي تحدث عنها وما رافقها من كلام عن مدينته طرابلس، هناك حكماً بداية لحملة انتخابية قرر رئيس الحكومة خوضها في عاصمة الشمال ومعها الضنية والمنية.
لا أحد يحسم فوزه في دائرة “طرابلس – المنية – الضنية”، عاصمة الشمال التي طوت انتخابات عام 2018 على فوز كاسح لميقاتي حاصداً أربعة مقاعد “سني – علوي – أرثوذكسي – ماروني”، وانتكاسة لتيار المستقبل الذي استعان بقضاءي الضنية والمنية لتعويم لائحته، تقف اليوم على مفترق تغييري ساهمت عوامل كثيرة بالوصول اليه، ابرزها ثورة 17 تشرين وثقلها الشمالي، وتحديداً الطرابلسي في هذا الحراك، حيث تحولت ساحة النور الى ميدان تحرير بالنسبة للناشطين، حاول شبابها خلع رداء التيارات والقوى السياسية التقليدية التي حكمت المدينة لربع قرن وأكثر، ولم تقدم بنظرهم أي شيء.
هذا التغيير في الذهنية الطرابلسية وحتى الشمالية يعود أيضاً الى وعي كبير لدى الاجيال الجديدة التي انخرطت في المنظمات غير الحكومية، وأدركت أن سياسة اعطاء السمكة كلف عاصمة الشمال الكثير من فواتير الصراعات والفقر الاجتماعي الكبير، وبات من الضروري تعلم الصيد واقتناء الصنارة.
يولي الطرابلسيون الاستحقاق الانتخابي أهمية كبيرة، ولكنهم غير مقتنعين حتى الساعة بأن الانتخابات ستجري رغم تزييت الاحزاب لماكيناتها والعمل على أن 27 آذار هو الموعد الرسمي لهذا الاستحقاق: من تيار المستقبل الى تيار العزم وقوى المجتمع المدني والكثير من القوى السياسية التي تراهن على تبدل المزاج الشعبي.
في العام 2018، نال الرئيس نجيب ميقاتي 21 ألف صوت وتمكنت لائحته من تأمين اربعة حواصل في طرابلس، أما اليوم فالتقديرات تشير الى أن ميقاتي يحتفظ بحوالى الـ 15 ألف صوت، وهو رقم يؤمن له حاصلاً كاملاً، في المقابل تراجع تيار المستقبل في طرابلس بعد أن كان الفوز حليفا له عام 2018 بفعل أصوات الناخبين في الضنية والمنية، حيث رفع كل من سامي فتفت وعثمان علم الدين حواصل اللائحة، في مقابل حصول أبو العبد كبارة وهو حالة حليفة للمستقبل في عاصمة الشمال على حوالى العشرة آلاف صوت، وهذه الارقام معرضة الى “الهبوط” بشكل كبير نتيجة التغييرات التي طالت المستقبل، وعلى رأسها الضبابية التي تلف عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان والعمل السياسي داخل التيار وبروز أسماء بديلة عن تلك الموجودة في المدينة، كنجل النائب محمد كبارة كريم كبارة وهو الشاب المندفع الذي لا يرغبه عدد لا يستهان به من المقربين لوالده، في حين يضيع الرهان في الضنية والمنية مع بروز مجموعات تُراهن على التغيير للانقضاض على الشارع المستقبلي.
في المقابل، يبرز اسم اللواء اشرف ريفي الذي يعمل على أكثر من خط، فيرصد الطرابلسيون لقاءاته الدورية بالنائب فيصل كرامي وأهداف التواصل الدائم بين الرجلين، ونجده في المقابل ضيفاً على معراب يتبنى خطاب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي يصفه فيصل كرامي بـ “قاتل الرشيد”، وهنا تكثر الاسئلة: “هل سيدخل ريفي مع طرف دون الآخر أم سيبقى على تماس ويشكل لائحة خاصة يمكن أن تنافس الشارع المستقبلي وتؤثر على الرئيس نجيب ميقاتي، وماذا عن حركة فيصل كرامي وقربه من تركيا التي تدعم الكثير من المؤسسات التابعة للرجل، وهل من تحالفات مفاجئة قد تظهر في الاشهر القليلة الفاصلة عن الاستحقاق الانتخابي قد يستفيد منها كرامي؟”.
على الساحة الطرابلسية أيضاً، ثمة قوى تغيير منقسمة بدورها، بين من كانت في السلطة كالكتائب والنائب المستقيل ميشال معوض، وتلك المستقلة التي لا تجربة لديها في الحكم. وبين المجموعتين هناك تناغم كبير يمكن أن يثمر تحالفاً نيابياً يُعمل عليه في الكواليس لمواجهة القوى التقليدية الموجودة على الساحة الطرابلسية. ويُراهن هؤلاء على تأمين حاصلَين انتخابيين في حال توحدت الأهداف.
وهذا الامر دونه عقبات، لا سيما وأن هناك الكثير من الاسماء التي ترغب أن تكون حالة في قلب المجموعة كـ “يحي مولود”، و”سامر كبارة” والمنتديات التي يديرها “نبيل الحلبي”.
وفي الإطار أيضاً، تتحدث أوساط شمالية عن تحرك للناشط السياسي خلدون الشريف لتشكيل لائحة في طرابلس تضمه والسفير مصطفى أديب بمسعى غربي، وبرزت في هذا الإطار زيارة السفيرة الكندية الى دارة الشريف قبل أسبوع، وسبقتها السفيرة الفرنسية آن غريو في زيارة غير معلنة، وقد تكون هذه اللائحة نواة لما يعمل عليه المجتمع المدني لتجهز الطبخة الطرابلسية وتكون مفاجئة لقوى السلطة.
ومع رفع صور رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في طرابلس، يسأل البعض عن حركة القوات في المدينة وتحت اي سقف تتحرك. هنا تؤكد مصادر طرابلسية أن السعودية تدعم بشكل مباشر تحركات معراب والخطط المرسومة في الانتخابات، وثمة بعض المفاتيح المحسوبة على المملكة في طرابلس، تُنسق مع المسؤولين في معراب، ومن ضمنهم اللواء اشرف ريفي الذي يسعى الى تشكيل لائحة تضم القوى السيادية وتجتمع على رؤية واحدة تنافس القوى التقليدية. ولكن لا شيء ثابتاً حتى الساعة، خصوصاً وأن الحضور القواتي في طرابلس وتحديداً في الشارع المسيحي خجول، والرهان على تبدل المزاج السني الذي يرى في جعجع، لا سيما بعد حادثة الطيونة، قوة تستطيع المواجهة ولا تتردد، غير أن المصادر ترجح أن تكون حركة القوات محكومة بتمدد قوى سياسية في المدينة رافضة لحضور جعجع.
أما دخول بهاء الحريري، فهو لا يزال محور اهتمام ومتابعة، ويتحدث البعض عن لوائح يعمل على تشكيلها رجل الاعمال المتواجد أيضاً في طرابلس عبر الاعمال الخيرية التي تقدمها الجمعيات التابعة له، ولكن حضوره بحسب البعض لا يزال خجولاً مقارنة مع الاطراف الأُخرى، وسط خشية من المجموعات المستقلة من لوائح مفخخة قد تكون رافعة لتيار المستقبل في طرابلس، في حال قرر بهاء الدخول من بوابة الوراثة السياسية للتيار في المرحلة المقبلة.