انتخابات صورية وفصل للملفات: اللامركزية تقرع الأبواب

من شأن الانتخابات الشكلية في سوريا أن تمنح السلطة شرعية زائفة، فيما تدفع واشنطن نحو اللامركزية لتجاوز القرار 2254 وتكريس نفوذها في الملف السوري.
كتب عامر علي, في الأخبار:
بالتزامن مع محاولة السلطات السورية الانتقالية فرض انتخابات تشريعية صورية، لا يشارك الشعب فيها بشكل مباشر، وذلك من أجل تشكيل مجلس للشعب يمنح السلطات سنداً قانونياً، بدأت واشنطن الحديث بشكل علني عن ضرورة تطبيق أحد أشكال الحكم اللامركزي لحلّ الأوضاع المستعصية في سوريا، وهو ما يستبطن محاولة واضحة لتجاوز القرار الأممي 2254، الذي من شأن تطبيقه أن يُخرج الملف السوري من قبضة الولايات المتحدة المُحكمة.
وفي تصريحات نشرتها صحيفة «واشنطن بوست»، قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، إنّ سوريا قد تحتاج إلى «دراسة بدائل» لدولة شديدة المركزية، معتبراً أنّ «ما تحتاجه البلاد ليس الفيدرالية، بل شيء أقل من ذلك، يسمح للجميع بالحفاظ على وحدتهم وثقافتهم ولغتهم، من دون أي تهديد من الإسلام السياسي». وأضاف أنّ «جميع المطّلعين على الملف السوري يقولون إنّ الأمور بحاجة إلى السير بطريقة أكثر عقلانية».
ويأتي ذلك فيما وصل برّاك، الذي ترعى بلاده مسارَين متوازيَين لحلّ أزمة «الإدارة الذاتية» في الشمال الشرقي وملف السويداء المدعوم إسرائيلياً جنوبي البلاد، إلى تل أبيب، حيث عقد لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر – المفوّض بإجراء لقاءات مع وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية، أسعد الشيباني، للوصول إلى اتفاقات أمنية -، إلى جانب وزير الخارجية، جدعون ساعر، ووزير الأمن، يسرائيل كاتس. وكان المبعوث الأميركي الذي يؤدّي دوراً بارزاً في الملفين السوري واللبناني في إطار محاولة تمرير صفقة شاملة للمنطقة، قد نجح، إلى حدٍّ ما، في تعليق تشكيل تحالف سياسي بين الشمال الشرقي والجنوب، بعد أن تمّ تحويل مركز المباحثات مع «قوات سوريا الديموقراطية» إلى العاصمة دمشق، والإبقاء على باريس مركزاً للمباحثات مع الإسرائيليين لحلحلة ملف السويداء حصراً، والتمهيد لاتفاقية أمنية قد تفتح الباب أمام تطبيع العلاقات.
وجاءت إزاحة «قسد»، المدعومة من قبل فرنسا أيضاً، من اجتماعات باريس، على خلفية الدفع التركي المستمر في اتجاه الضغط على «الإدارة الذاتية»، والذي أثمر أيضاً تأجيل عقد النسخة الثانية من «مؤتمر مكونات الشمال الشرقي» الذي كان مقرّراً في الرقة، وإعلان «قسد» الالتزام بمسار النقاش السياسي مع السلطات الانتقالية، مع الإصرار على مبدأ اللامركزية، باعتباره «الحلّ الأمثل».
وبينما تحاول السلطات الانتقالية التعامل مع ملف «قسد» على أنه داخلي بحت، فهي تبدو مسلّمةً لكون السويداء ملفّاً خارجياً يتعلّق بشكل أساسي بالعلاقات مع إسرائيل. ويفسّر ذلك تجاهلها للتطورات المستمرة في المحافظة الجنوبية، حيث تم تشكيل نواة لجيش محلّي، وبناء نظام حكم ذاتي أوّلي، وتكثيف اللقاءات مع إسرائيل، أملاً في الوصول إلى اتفاق معها.
من شأن إجراء الانتخابات التشريعية الصورية تكريس سلطة الأمر الواقع
مع ذلك، تحاول السلطات اللعب في الوقت المستقطع لتجذير نفسها، والوصول إلى جسم تشريعي يتمّ تفصيله بموجب قوانين تمنح الرئيس السوري الانتقالي سلطات فوق تشريعية؛ إذ يقوم الأخير بتسمية ثلث أعضاء مجلس الشعب، ويشرف على تشكيل لجان تقوم بانتقاء ثلثَي أعضاء المجلس المتبقّين (عدد الأعضاء 201)، ضمن آلية يتمّ ترويجها على أنها ديمقراطية، في حين لن يستطيع الشعب المشاركة فيها أبداً.
وأعلنت السلطات إجراء «انتخابات» مجلس الشعب في جميع المحافظات باستثناء السويداء والرقة والحسكة، على أن تبقى المقاعد محفوظة إلى حين حلحلة الملفات، في حين لم يتمّ ذكر الآلية التي سيتم عبرها تجاوز مشكلة شغور المقاعد، وسط حديث عن إمكانية تعيين الشرع أعضاء لملء الشواغر.
ومن شأن إجراء هذه الانتخابات تكريس سلطة الأمر الواقع، وفرملة التحرّكات المستجدّة لمجلس الأمن لتطبيق القرار 2254، القاضي بإجراء عملية انتقال سياسي، والذي يعني تطبيقه فقدان السلطات القدرة على بناء نظام طويل الأمد.
وفي أول ردّة فعل من قِبل «الإدارة الذاتية» على الانتخابات التشريعية، أعلنت الإدارة رفضها هذه الانتخابات باعتبارها «غير ديمقراطية ولا تعبّر عن إرادة السوريين في ظلّ إقصاء نصف السوريين بسبب التهجير وسياسات التهميش». وأكّدت «الذاتية»، ردّاً على بيان السلطات الذي عزا استثناء الرقة والحسكة والسويداء من الانتخابات، إلى أنّ تلك المحافظات «غير آمنة»، وأنّ الشمال الشرقي أكثر أماناً من غيره من المناطق، داعية المجتمع الدُّولي والأمم المتحدة إلى عدم الاعتراف بالانتخابات لمخالفتها القرار 2254.
كذلك، أصدر «المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر» بياناً يؤكّد رفضه لإجراء هذه الانتخابات التي اعتبرها «باطلة»، وتؤسّس ليس لمجلس للشعب، إنما لمجلس خاص بالشرع و«هيئة تحرير الشام»، التي لا تزال مصنّفة على لوائح الإرهاب في مجلس الأمن الدُّولي، داعياً الشعب إلى المقاطعة الكاملة وعدم المشاركة بأي شكل من الأشكال، لأنّ «المشاركة تعني شرعنة سلطة لا شرعية لها، وتكريس واقع قسري لا يعكس إرادة السوريين».