أبرزرأي

انتخابات تركيا.. هل تدخل واشنطن على الخط؟

    كتب حسني محلي في “الميادين” المقال التالي: السؤال المطروح في الانتخابات المقبلة: هل سينفذ بايدن تهديداته للتخلص من إردوغان من خلال دعم أحزاب المعارضة في الانتخابات؟ وكيف؟  

    بعد أن أعلن الرئيس إردوغان موعد إجراء الانتخابات في 14 أيار/مايو القادم، خصصت مجلة “الإكونوميست” اللندنية، لسان حال الأوساط المالية البريطانية والعالمية، غلافها الأخير لهذه الانتخابات وقالت: “تركيا نحو ديكتاتورية إردوغان”.

    غلاف “الإكونوميست” هذا جاء يوم لقاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو نظيره الأميركي بلينكن في واشنطن المستاءة من الحوار الساخن بين إردوغان وبوتين لانعكاس ذلك على السياسات التركية الإقليمية، وأهمها احتمالات المصالحة التركية -السورية بمساهمة روسية-إيرانية. 

    غلاف “الإكونوميست” أعاد إلى الأذهان ما قاله بايدن خلال حملته الانتخابية في كانون الأول/ديسمبر 2019 عندما تحدث إلى مجلة “نيويورك تايمز”، واتهم إردوغان بـ”انتهاج سياسات استبدادية”، وقال باختصار ” علينا أن نعلن موقفنا رسمياً، وندعم زعماء المعارضة بشكل علني في الانتخابات؛ لأننا قلقون من سياسات إردوغان، ويجب أن يدفع ثمن سياساته “.

    المسؤولون الأتراك الذين عبّروا، آنذاك، عن ردّ فعلهم العنيف على أقوال بايدن الذي لم يكن حينها رئيساً استنفروا بعد ذلك كل إمكانياتهم لإقناع بايدن باستقبال إردوغان في البيت الأبيض بعد أن أصبح رئيساً، وهو ما لم يتحقق حتى الآن. وسط المعلومات التي تتحدث عن استنفار أميركي لكسب الرئيس السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى جانب واشنطن في محاولة لموازنة الدور التركي المحتمل، وسد الطريق على مساعي الرئيس بوتين؛ لكسب مزيد من المواقع في الشرق الأوسط. 

    الموقف الأميركي والغربي هذا يحمل في طيّاته معاني أخرى لها علاقة بالموعد المعلن عن الانتخابات التركية. فقد اختار إردوغان هذا الموعد لإحياء ذكرى انتصار الحزب الديمقراطي بزعامة الثنائي جلال بايار -عدنان مندرس على حزب الشعب الجمهوري في انتخابات 14 أيار/مايو 1950 بعد أن رفع شعار:  

    “كفى.. الآن، القول للأمة “.. 

    وجاء انتصار الثنائي المذكور الذي أطاح حكم الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك وحكم البلاد حتى ذلك التاريخ ليفتح صفحة جديدة في تاريخ تركيا الحديث، إذ أصبحت جزءاً من المنظومة الأطلسية وخندقاً أمامياً للدفاع عن الغرب ضد الاتحاد السوفياتي والشيوعية، بعد أن انتشرت القواعد العسكرية الأميركية في عموم البلاد، ليس فقط ضد الاتحاد السوفياتي بل ضد المد القومي العربي التقدمي بزعامة عبد الناصر عندما ساهمت أنقرة في تشكيل حلف بغداد، وأقامت علاقات سرية مع “تل أبيب”.

    ومن دون أن يكون كل ذلك كافياً بالنسبة إلى واشنطن كي تتدخل وتمنع إعدام مندرس واثنين من وزرائه بعد أن أطاح العسكر الحكومة، وهو ما كان بداية مرحلة الانقلابات العسكرية والتدخلات الأميركية اللاحقة، التي جعلت من أنقرة عاصمة مهمة تخدم المخططات والمشاريع الأميركية، وبشكل خاص، بعد إيصال “العدالة والتنمية” إلى السلطة نهاية 2002، وانضمامها إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير في حزيران/ يونيو 2004، ثم مساهمتها الفعالة في ما يسمّى “الربيع العربي” الصهيو – أميركي الذي دمر المنطقة، وكل ذلك تحت شعار “الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان”. 

    إذ سوّق الغرب قبل ذلك “العدالة والتنمية” كحزب إسلامي معتدل وصل إلى السلطة ديمقراطياً في بلد مسلم وعلماني، لينتهي به المطاف على غلاف “الإكونوميست” واتهامات بايدن الذي يعرف الجميع أنه ومن معه في الغرب وحكام المنطقة من الملوك والأمراء والمشايخ لم ولن يبالوا بما وصلت الأمور إليه في تركيا، بعد أن قام إردوغان بتغيير الدستور، وسيطر على جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها وأهمّها الجيش والأمن والمخابرات والقضاء. فأصبح الحاكم المطلق للبلاد، وشن وما زال حملات عنيفة ضد معارضيه من السياسيين والإعلاميين والأكاديميين، وكل من اعترض عليه وأياً كان شكل هذا الاعتراض وحجمه.

    ودفع ذلك “الإكونوميست” ووسائل إعلام غربية أخرى، ومعها مراكز صنع القرار في الغرب إلى اتهام إردوغان بالاستبداد والديكتاتورية مع التذكير بقضايا الفساد الخطيرة التي لم يكن للعقل البشري أن يصدقها، وتتحدث المعارضة يومياً عن تفاصيلها الدقيقة. 

    وعودة إلى موعد الانتخابات وشعارها ” كفى.. الآن، القول للأمة”، يشهد الشارع الإعلامي والسياسي نقاشاً مثيراً، إذ استغرب البعض اختيار إردوغان هذا الشعار في حملته الانتخابية، فيما اختار تحالف أحزاب المعارضة الستة اسم “تحالف الأمة “، والمتوقع أن ترفع بدورها الشعار نفسه ” كفى.. القرار لتحالف الأمة”.. وعدّ آخرون قرار إردوغان خطأً استراتيجياً؛ لأن الثنائي بايار-مندرس رفعا هذا الشعار ضد حزب الشعب الجمهوري، وهو الحزب الحاكم الذي كان يسيطر على كل شيء، وكما هي الحال الآن بالنسبة إلى حزب “العدالة والتنمية”، الذي يحكم البلاد منذ 20 عاماً. وبمعنى آخر، “العدالة والتنمية” في السلطة، وخلافاً للحزب الديمقراطي الذي كان في المعارضة، وكان مدعوماً من واشنطن ولندن بشكلٍ مباشر وغير مباشر، يخيم الغموض الآن على موقفها تجاه إردوغان بعيداً من أقاويل الاعلام. 

    فالسؤال المطروح هو: هل سينفذ بايدن تهديداته للتخلص من إردوغان من خلال دعم أحزاب المعارضة في الانتخابات؟ وكيف؟  مع استمرار حديث الإعلام الداخلي والخارجي عن دعم الرئيس بوتين لإردوغان بشكل مباشر أو غير مباشر، وعن رغبة أنظمة الخليج في بقاء إردوغان في السلطة عبر مساعداتها المالية له باعتبار الحوار مع أنقرة والاتفاق معها في شأن أي موضوع في عهده أسهل بكثير مما سيكون عليه الوضع في حال وصول “تحالف الأمة” بأحزابه الستة إلى السلطة.

    ويبقى القرار، وكما يقول إردوغان “للأمة”، أي للناخبين الذين يعيشون أصعب ظروفهم المعيشية مادياً واجتماعياً ونفسياً؛ بسبب سياسات إردوغان الداخلية والخارجية التي تبيّن الاستطلاعات أن ما لا يقل عن 60٪ من الشعب التركي ضدها لأسباب عديدة، أهمها أن هذه السياسات دمرت البلاد بكل معاييرها ومقاييسها وقيمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية، بل وحتى الدينية.

    وهو ما يدفع وسيدفع إردوغان إلى استنفار كل إمكانياته الداخلية والخارجية خلال الأشهر الـ 4 القادمة لتغيير هذه المعادلة، ومهما كان الثمن، بعد أن بات واضحاً أن تركيا ستشهد خلالها كثيراً من المفاجآت المثيرة بسيناريوهاتها المختلفة الصعبة تارة، والمعقدة والخطيرة تارة أخرى! 

    إن الآراء الموجودة في هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها.

    أخبار مرتبطة

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    زر الذهاب إلى الأعلى