كتب رفيق خوري في إندبدنت عربية.
لا وضوح في الأفق الذي يبدو مفتوحاً بعد كسر “الستاتيكو” في عملية “طوفان الأقصى” ثم عملية “السيوف الحديد”، ولا جواب حاسماً في المنطقة والعالم حول مرحلة ما بعد “الستاتيكو” بل مجرد تصورات وأمنيات فوق وقائع متغيرة بالنار.
وإذا كان التوحش الإسرائيلي في تدمير غزة وقتل آلاف الأطفال والنساء أحدث نوعاً من التبدل في المواقف الدولية التي أحرجها الجنون الإسرائيلي وأعاد الحيوية العربية الى قضية فلسطين، فإن ما وضعته حرب غزة أمام امتحان أول وعملي هو خطان بارزان في المنطقة. الأول هو “وحدة الساحات” ضمن “محور المقاومة” بقيادة إيران، والأخير هو ما يمكن أن يسمى “وحدة الاتفاقات” التي عملت لها أميركا.
محور الصراع العسكري الوجودي مع العدو الإسرائيلي، ومحور التفاوض السياسي والسلام مع إسرائيل من جهة “حماس والجهاد وحزب الله وفصائل الحشد الشعبي وأنصار الله الحوثيين” وبقية الفصائل المرتبطة بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. ومن جهة أخرى، مصر كامب ديفيد وأردن وادي عربة وسلطة أوسلو الفلسطينية ودول “اتفاقات أبراهام” مع إسرائيل، وهي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، ودول عربية أخرى في طريقها إلى العلاقات مع إسرائيل.
والمحوران في الشكل خطان متوازيان لا يلتقيان، لكنهما في العمق متعرجان بينهما شيء من التشابك والتفاعل والتعاون وشيء من الصراع. فماذا فعل المحوران في حرب غزة؟ وما الذي أحدثته حرب غزة في المحورين؟
“وحدة الساحات” شهدت، حتى الآن، تنويعات متفاوتة في تحرك تكتيكي دعماً لـ”حماس” ضمن استراتيجية إيران التي عنوانها “تجنب الحرب الشاملة”.
جبهة الجنوب اللبنانية هي رأس الحربة في دعم غزة لكونها “ساحة” بلا ضابط دولي، يمسك بها “حزب الله” ويضبط التقاصف مع إسرائيل ضمن حدود، مع السماح لفصائل فلسطينية بعمليات قصف بالصواريخ.
جبهة الجولان في سوريا ممسوكة بقرارات جدية، وفصائل الحشد الشعبي تقصف المراكز الأميركية في العراق وسوريا وتطالب بإغلاق سفارة الولايات المتحدة في بغداد وسط الرفض الرسمي لقطع العلاقات مع واشنطن والتذكير باتفاقية “التعاون الاستراتيجي” واستمرار الحاجة الى قوات أميركية للاستشارة والتدريب.
والحوثيون في اليمن يطلقون صواريخ عبر البحر الأحمر يتم إسقاطها قبل الوصول إلى إسرائيل. أما إيران، فإنها لا تشارك مباشرة بل تكتفي بما تقوم به أذرعها، وبين خصومها من يقول إن “وحدة الساحات” هي مسألة مرتبطة بتمدد المشروع الإقليمي الإيراني وحمايته من أي هجوم إسرائيلي أو أميركي.
“وحدة الاتفاقات” لم تشهد كل الهزات التي كانت من بين التوقعات في الرد على توحش إسرائيل ضد المدنيين في غزة، وما حدث فيها هو أيضاً تحرك تكتيكي بعضه “تعليق العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل”، والآخر مواقف داعمة لقضية فلسطين ومستنكرة التوحش الإسرائيلي، والبقية أدوار مهمة في مسائل الوساطة والتفاوض حول حماية المدنيين وإدخال المساعدات الإنسانية الى غزة والدعوات إلى وقف النار.
لا تهديد بتحول استراتيجي في الموقف، ولا وقف للمشاريع الاقتصادية والتجارية التي فيها شراكات مع إسرائيليين، حتى بيان تسع دول عربية بينها دول العلاقات، فإنه انتقد ما فعلته “حماس” في غلاف غزة إلى جانب الرفض القوي للحرب ضد المدنيين و”انتهاك القانون الإنساني الدولي وإغفال حقوق الفلسطينيين بداعي حق الدفاع عن النفس”.
والحرج كبير جداً، فلا شيء يضمن استمرار الحال مع تطورات الحرب، ولا أحد يعرف إلى متى يمكن أن تدار “وحدة الساحات” كما “وحدة الاتفاقات” بقرارات موضعية على المستوى التكتيكي في ظل مواقف إقليمية ودولية ضاغطة.