كارول سلوم .
خاص رأي سياسي …
ليس من قبيل المبالغة القول أنه إلى جانب تنامي امبراطورية مولدات الكهرباء شقت امبراطورية صهاريج المياه طريقها منذ فترة ، واصبح المواطنون اللبنانيون أسرى لها بفعل حاجتهم الدائمة إلى المياه التي اضحت مقطوعة عن منازلهم تحت ذريعة فقدان القدرة على شراء مادة المازوت لضخها إلى كافة المناطق اللبنانية.
وجراء ذلك، يتكبد اللبنانيون مبالغ باهظة لشراء الصهاريج، وبسبب ارتفاع سعر مادة البنزبن تضاعفت كلفة الصهريج ووصلت في بعض القرى إلى ٦٥٠ الف ليرة لبنانية وفي بعض المناطق إلى أكثر بكثير لاسيما اذا كانت سعته ١٠ براميل وتقل الكلفة إذا كانت سعته ٥ براميل . وهناك عائلات تحتاج إلى اكثر من صهريج في الأسبوع الواحد، ما يعني أنها تدفع بين ثلاثة وأربعة ملايين ليرة شهرياً لفاتورة المياه فقط .
بالطبع لا يمكن فصل أزمة شح المياه عن أزمات الكهرباء وغلاء الأسعار وغيرها ولكنها تشكل فواتير باهظة الثمن تدفع من جيوب المواطنين في حين أن هذه الخدمات تعد من حاجاتهم اليومية الأساسية.
وامام هذا الواقع دخل اسم صاحب الصهريج إلى قائمة الشخصيات الميسورة ماديا ومع مرور الوقت بات الاتصال به صعبا، فمرة لا يلبي نداء الاستغاثة إلا حين يسمح له وقته ( قبل منتصف الليل أو قبل ذلك بقليل) ، ومرة أخرى يتذرع بالضغط المتواصل على طلب المياه ، وما على المواطن هنا إلا انتظار الفرج . وبالطبع هناك منازل يفضل أن يقصدها صاحب الصهريج على منازل أخرى انطلاقا من المسافة الجغرافية وتعاطي الزبون من دون “نق” ، على أن ما يهمه هو وفرة العمل وتأمين المال .
وفي اعتقاد كثيرين أن مشكلة الكهرباء يمكن في مكان ما التأقلم معها في حين أن انقطاع المياه المتواصل يعتبر أزمة كبيرة ، إذ لا يكاد يخلو منزل من حاجته الدائمة إلى المياه، ومن هنا فإن التمسك بصداقة صاحب الصهريج تبدو من افضل الحلول .
ويقول أحد أصحاب هذه الصهاريج ل “رأي سياسي “: نحن لا نقف وراء انقطاع المياه ولا وراء ارتفاع البنزين وعندما نتلقى اتصالات بكثافة نحاول أن نلبي الطلب لكن نحن أيضا نشتري المياه من أصحاب الآبار، ولا يمكننا أن نصل إلى منزل الزبون في غضون دقائق . ومن لا يتأخر في طلب نقلة المياه نؤمنها له بالسرعة اللازمة.
وتشير المواطنة عبير الخشن لموقعنا إلى أنها تخصّص مبلغاً معيناً لدفع فاتورة الصهريج ، وباتت تقتصد في عملية استعمال المياه وتقول انها لم تعد تعلم اليوم “يلي بيديرو فيها مي الدولة ” ، وإذا فعلوا ذلك فلا تصل دائما إلى خزانها الموجود على سطح المبنى الذي تقطنه ، وتقول إن الطلب على صهريج المياه يتزايد في فصل الصيف وأنها اضطرت في العام الماضي إلى دفع مبالغ طائلة . ونشير هنا الى”انه في الفترة الماضية حصل تخريب لامدادات المياه عن قصد كي يربح أصحاب الصهاريج”.
وتفيد جارتها ام رامي أن هناك مناطق تعاني من هذه المشكلة أكثر من مناطق كما أن هناك بلديات تحركت لمعالجة الأمر، وتلفت الى حاجتها لشراء المياه كل أربعة أيام وأنها تطلب الصهريج الذي يبلغ سعته ١٠ براميل . وتضيف “من دون أية مبالغة اضطررت في احد الأيام إلى أن أنتظر وصول الصهريج حتى ما بعد العاشرة والنصف ليلا حتى أتمكن من العمل في المنزل.
ويرى سامي حيدر أن أصحاب الصهاريج يتحكمون بالمواطنين كما هي الحال بالنسبة إلى أصحاب المولدات بمعنى آخر أن على المواطن أن يخضع لتوقيتهم ويتحضر لدفع المبالغ كما يطالبون بها والا فلا كهرباء ولا مياه ، فهو مغلوب على أمره.
وكان رئيس لجنة الطاقة والمياه النائب سجيع عطية قد لفت في تصريح سابق الى ان المشكلة اليوم عدا عن شح المياه في المحطات، انه لا يوجد محطات ضخ للمياه لتصل إلى المدن والاماكن السكنية والبلدات. ونتيجة نقص المازوت لم تعد مؤسسة المصالح المائية لديها الإمكانية على ضخ المياه. وهذا ما أشارت إليه هذه المؤسسات في بيانات متتالية .
كل ذلك يقود إلى القول إن امبراطورية صهاريج المياه تتعاظم ، إذ ما من حلول بدونها ، أما من كان ميسورا مادياً فيمكن اللجوء إلى الاشتراك في بئر مياه ، وفي النتيجة ، سيظل المواطن يدفع لقاء هذه الخدمة وغيرها حتى الرمق الأخير، إلا إذا تبدّلت ظروف البلد ..وهذه المسألة تتطلب معجزة .