اليوم التالي في غزة، هل سيكون أمريكيًا؟

كتب فارس الحباشنة في صحيفة الدستور.
لا داعي للتكهن حول اجتماع البيت الأبيض، وماذا تخفي مفاوضات حول ملف حرب غزة في تعقيداته ومآسيه، جمعت رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ومستشار الرئيس الأمريكي في ولايته الأولى وصهره جاريد كوشنر؟
ما من رئيس أمريكي كان إسرائيليا إلى هذا الحد. وابنته الجميلة إيفانكا أعلنت اعتناق اليهودية، وهي ديانة زوجها كوشنر، والأخير هو صاحب فكرة تحويل شواطئ غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط، وترامب هدد بتحويل القطاع إلى جحيم وترحيل سكانه وأهله.
إعصار أيديولوجي خارج من ميثولوجيات قديمة. ومن هم العرب ليقاوموا المشروع التوراتي الإسرائيلي/الأمريكي؟ والعرب ليسوا الأفغان الذين دحروا الاحتلال الأمريكي، وليسوا الفيتناميين، وليسوا الكوبيين.
العرب منذ ألف عام دخلوا في غيبوبة تاريخية. وحتى الإسلام، الدين الحضاري العظيم، تحول من دين إلى أيديولوجيا، وإلى ظاهرة حلال وحرام، وفصلته عن جدلية الأزمنة والتاريخ، وفقد الإنسان العربي البصيرة والقدرة على صياغة رؤية واستراتيجية للمستقبل. في اجتماع واشنطن، يشارك بلير وكوشنر ومستشارو ترامب، ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، بمصير غزة والقضية الفلسطينية.
والأهم أنه لا حضور عربي في الاجتماع، ورغم أن سجل محاضره مقيّد لمناقشة قضايا مصيرية عربية.
ما نشر في الإعلام الأمريكي حول اجتماع واشنطن شحيح ومحدود. وتأتي التقاطات تثير المخاوف والقلق من وراء الشخصيات المشاركة في الاجتماع، وخصوصا بلير، وهو صاحب سوابق في القضية الفلسطينية.
ولا أظن أن أطرافا فلسطينية وعربية تثق في بلير، وخصوصا أنه متورط في التستر على تقرير التحقيق البريطاني حول حرب العراق.
وترأس أيضا لثمانية أعوام رئاسة الرباعية الدولية بشأن القضية الفلسطينية، وإدارة المفاوضات وإحياء عملية السلام، وفشل في التوصل إلى أي اتفاق أو إنجاز يذكر في مهمة الرباعية الدولية. وظهر بلير منحازا لإسرائيل، كما أن كوشنر يعتبر من مهندسي صفقة القرن في عهد رئاسة ترامب الأولى.
وفي صفقة القرن الترامبية في نسختها الأولى، تُمنَح إسرائيل ما تشاء وما تريد، دون أي تنازل أمام الفلسطينيين. وفي الصفقة التي أُعلن إطلاقها ترامب ونتنياهو، يُسلّم الفلسطينيون القدس، وأعلن ترامب أنها عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، وأعلن ضم وتطويب الضفة الغربية والجولان والغور الأردني إلى إسرائيل.
وشطب حق العودة، وإلغاء الأونروا، وتهجير حتمي لـ 2.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية إلى الأردن وغيرها. وتلاعب في الجغرافيا في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة ودول الجوار الفلسطيني لخدمة مصالح إسرائيل وقوتها وأمنها المطلق. رفضت عمّان والقاهرة فتح أي أبواب أو مسارات للتفاوض حول المقترحات الأمريكية، ولا حتى الاستماع إلى مفردات صفقة القرن.
وكادت أن تموت صفقة القرن، وفشلها أن يُعلن رسميا في واشنطن. وفي جولة ما بعد 7 أكتوبر، يبدو أن نتنياهو يريد خلق واقع جديد بالقوة ويفرض تغييرا على معادلة الصراع دون أي مرجعية دولية ولا تعهدات والتزامات ومواعيد زمنية.
إسرائيل تأخذ الأرض مقابل منح السلام إلى العرب، معادلة استراتيجية جديدة من وحيها يجري اجتماع واشنطن.
جوهر صفقة القرن إلغاء وتصفية القضية الفلسطينية، وتحويلها إلى قضية إنسانية، وربطها بشروط إسرائيلية لتحسين شروط الحياة في الضفة الغربية وغزة.
اجتماع واشنطن يبدو أنه يراجع مفردات صفقة القرن، وإحياء مشاريع التهجير القسري لسكان غزة. وأخطر ما في الموضوع الأحادية الأمريكية في التفكير لسيناريو اليوم التالي في غزة. واشنطن أعطت نتنياهو الضوء الأخضر في العملية العسكرية البرية في غزة، والدافع تحت ذرائع إنسانية وإغاثية بإجبار أهالي غزة على التهجير القسري.
وترامب دون مواربة يسعى إلى أخذ الشرق الأوسط إلى المجهول.




