رأي

اليمن: مراجعة شاملة للاتفاقيات مع المنظمات بعد ضبط جواسيس بعباءة العمل “الإنساني”

كتب علي ظافر في صحيفة الميادين.

ما لم تبادر المنظمات الدولية إلى سد الاختراقات وتصحيح الاختلالات ومراجعة سلوكها الميداني وتأكيد التزامها بالحياد الكامل، فإن العلاقة بينها وبين صنعاء مرشحة للتأزم.

تتجه وزارة الخارجية في صنعاء لإجراء مراجعة شاملة في علاقتها مع منظمات وبرامج الأمم المتحدة العاملة في اليمن، بعد تورط بعضها وبعض الموظفين معها في أعمال تجسسية خطيرة لخدمة أجهزة استخبارات معادية للبلد. 

ضمن هذا السياق أعلنت وزارة الخارجية منتصف الشهر الجاري اعتزامها “إعادة النظر في الاتفاقيات الأساسية الموقعة مع المنظمات العاملة في اليمن وتعديلها” للإسهام في تثبيت أمن اليمن واستقراره وسيادته في خطوة تعكس تصاعد القلق من تسييس العمل الإنساني في منظمات أممية وتحويله إلى غطاء لأعمال استخباراتية تهدد الأمن القومي لليمن لصالح أجهزة استخبارات إقليمية ودولية معادية. 

فضيحة أممية

في خلفية الموقف فإن خطوة وزارة الخارجية تأتي بعد أن كشف السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي مطلع الشهر الجاري عن ” الحصول على معلومات قاطعة عن الدور التجسسي العدواني الإجرامي للخلايا التي تم اعتقالها من المنتسبين للمنظمات الإنسانية” مؤكداً امتلاك “دلائل” تثبت تورط “خلية تابعة لبرنامج الغذاء العالمي، وعلى رأسها مسؤول الأمن والسلامة لفرع البرنامج في اليمن” ودور تلك الخلية الحساس في جريمة الاستهداف الإسرائيلي لاجتماع حكومة التغيير والبناء من خلال رصد الاجتماع وإبلاغ العدو ومواكبة الجريمة، ملمحاً إلى أن الأجهزة الأمنية ضبطت تلك الخلية وبحوزتها “أجهزة ووسائل رصد واستهداف وأجهزة تقنية لاختراق الاتصالات الوطنية وإمكانات تجسسية تستخدمها أجهزة الاستخبارات العالمية”، موجهاً أصابع الاتهام إلى الأميركي والإسرائيلي الذين “رأوا في المنظمات الإنسانية غطاءً مهماً يحمي تلك الخلايا من الاعتقال، ويسهل تحركاتها” لممارسة المهام والدور الاستخباراتي المنوط بها ومن بينها “محاولة إثارة الفتن والفوضى وتمزيق النسيج الاجتماعي. 

هذه الحقائق والمعطيات الأولية مثلت رداً قوياً على الحملات الدعائية الأميركية والأممية التي لا تنفك تذرف دموع التماسيح أمام هذه الفضيحة المدوية، ضمن محاولات لم تتوقف إلى اليوم بهدف تشويه صنعاء وتوجيه اللوم لأجهزتها اليمن، وتبرئة خلية التجسس بتصوير أنهم “عاملون في المجال الإنساني”، وقد تكون هذه التوضيحات التي جاءت مباشرة من السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، لإفهام “وسطاء إقليميين” حاولت الولايات المتحدة والأمم المتحدة الدفع بهم للتوسط والدخول على خط القضية من دون علمهم بخلفياتها.   

اعتكاف وزارة الخارجية في تقييم الاتفاقيات والتفاهمات المبرمة مع المنظمات الدولية، وإعادة النظر فيها، يعكس الاستجابة الوطنية السريعة للتعامل مع المستجدات والمهددات أمنياً وسياسياً لضمان تعزيز الإشراف الوطني على الأنشطة الإنسانية، والحرص على عدم تكرار جريمة بحجم استهداف حكومة مدنية في قلب العاصمة صنعاء. 

صوابية الإجراء من منظور قانوني

ومن زاوية القانون الدولي يؤكد خبراء مختصون صوابية الخطوات التي اتخذتها صنعاء أو تعتزم الإقدام عليها، لأن انخراط منتسبين للأمم المتحدة ومنظماتها وبرامجها بشكل مؤكد ومثبت في أعمال تجسسية ضد الدولة اليمنية، يعد انتهاكاً واضحاً للركائز الأساسية للعمل الإنساني المتمثلة بالحياد والاستقلال والإنسانية.

وبما أن تورط عاملين دوليين في أعمال تجسسية ضد الدولة المضيفة يعد بنصف المادة 105 من ميثاق الأمم المتحدة، بموجب المادة نفسها فإن لصنعاء كل الحق في اعتقالهم وسحب الامتيازات والحصانات التي منحت لهم في نطاق أداء مهامهم الرسمية، بعد استغلالهم تلك الامتيازات والحصانات في أنشطة تهدد أمن الدولة اليمنية فضلاً عن كونها تتعارض مع قوانين الدولة المضيفة وتمس سيادتها.

واستناداً إلى قواعد القانون الدولي العام في تعليق أو تعديل الاتفاقيات، فإن لصنعاء كل الحق – وفق خبراء القانون – في تعليق أو تعديل الاتفاقيات مع المنظمات التي يثبت تورطها في أعمال تمس الأمن القومي، عملاً بمبدأ السيادة الوطنية وحق الدولة في حماية مصالحها العليا.

وتؤكد مصادر رسمية معنية أن توجهها لإعادة النظر في الاتفاقيات مع المنظمات تهدف إلى الحيلولة دون تكرار التجاوزات واستغلال العمل الإنساني كغطاء للأعمال الاستخباراتية، ولا تستهدف التضييق على العمل الإنساني رغم أنه يستغل في معظم المراحل لأغراض سياسية. وبالتالي فإن توجه الخارجية اليمنية يعكس الحرص على تحقيق التوازن بين السيادة الوطنية والاحتياجات الإنسانية بحيث تلتزم المنظمات بالقوانين الوطنية وتعمل بشفافية تحت إشراف السلطات اليمنية المختصة، وهذا يتوقف على مدى التزام المنظمات بالقواعد القانونية وشفافية التعاون مع الجهات الرسمية، بعيداً عن أي أجندة خفية أو ارتباطات سياسية أو استخباراتية.

الأمم المتحدة والفاعلون الدوليون: المأمول والمتوقع

ولردم الهوة الحاصلة لدى الشعب من أزمة الثقة بالمنظمات وعملها “الإنساني”، فإنه يتحتم على الأمم المتحدة الاقدام على خطوات حازمة تجاه من يتورط من موظفيها في أعمال تجسسية، تنتهك الميثاقية وتشوه سمعة الجمعية العمومية للأمم المتحدة وبشكل يصون للدولة المضيفة حقها في الأمن والسيادة، ويحفظ للمبادئ الإنسانية قدسيتها واستقلالها، وهذا هو المأمول لكنه مستبعد والأقرب للتوقع أن تواصل الأمم المتحدة وأميركا حملات الشيطنة لصنعاء، وقد تقدم على قطع تدفق المساعدات الإنسانية أكثر مما هو قائم اليوم مع العلم أن المساعدات الإنسانية تخضع للتسيس الخارجي وفق ما أثبتته التجربة خلال الفترة الماضية، وفي أقل الأحوال قد يعمد الفاعلون الدوليون إلى عرقلة تدفق المساعدات والإبطاء بها، وتقطيرها كما هو حاصل تماماً في غزة؛ بهدف الضغط على صنعاء.

وفي الختام من المفيد التأكيد بأن خطوة الخارجية اليمنية لإعادة النظر في اتفاقيات المنظمات الدولية لا تمثل مواجهة مع العمل الإنساني كما يصور البعض، بل محاولة لإعادة تعريفه ضمن إطار يحفظ السيادة اليمنية ويصون أمن البلاد ويمنع استغلال الأنشطة الانسانية استخباراتيا أو سياسيا.

وما لم تبادر المنظمات الدولية إلى سد الاختراقات وتصحيح الاختلالات ومراجعة سلوكها الميداني وتأكيد التزامها بالحياد الكامل، فإن العلاقة بينها وبين صنعاء مرشحة للتأزم بشكل غير مسبوق، وقد يكون لذلك أثر بالغ في فضح دور المنظمات على مستوى المنطقة بأسرها في حال أصرت على الخطاء وسرد المغالطات، وتوفير الغطاء للأعمال الاستخباراتية القذرة. 

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى