اليمن بين الأهداف العسكرية والتداعيات السياسية

تشهد الساحة اليمنية تصعيدًا عسكريًا متزايدًا مع تكثيف الولايات المتحدة ضرباتها الجوية ضد مواقع الحوثيين في محافظة صعدة ومحيطها. وفيما تبرر واشنطن هذه العمليات بأنها تستهدف قدرات الحوثيين العسكرية ولا تمس المدنيين، تبرز تساؤلات جوهرية حول الأبعاد الاستراتيجية لهذا التصعيد، ومدى تأثيره على مسار الحرب في اليمن، فضلاً عن تداعياته الإقليمية والدولية.
بالموازاة ، تصدر اسم زعيم جماعة الحوثيين، عبدالملك الحوثي، منصة “إكس” في أعقاب تصريح مستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتر، أن الولايات المتحدة نجحت في القضاء على قيادات رئيسية في جماعة الحوثي، بما في ذلك زعيمهم ، مما أثار موجة من التكهنات حول مقتله في غارة أميركية استهدفت مواقع الحوثيين في اليمن في حين لم يصدر أي تأكيد رسمي من الحوثيين حول مقتله، ما جعل الوضع أكثر غموضًا. الغارة التي استهدفت مبنى في منطقة عصر بصنعاء، والتي يقال إنها كانت تضم اجتماعًا لقيادات بارزة في صفوف الجماعة، أدت إلى سقوط خسائر كبيرة في صفوف الحوثيين. و اللافت أن المبنى المستهدف يقع في مصلحة الهجرة المدنية والأحوال الشخصية، وهو معروف كمكان يتم فيه تسجيل خطابات زعيم الجماعة . التصريحات الأميركية جعلت الأوساط الإعلامية والسياسية تتساءل عن حقيقة ما حدث، وتثير العديد من الأسئلة حول تأثير هذا التصعيد على مستقبل الحرب في اليمن وأهداف الولايات المتحدة في المنطقة.
و في اطار العمليات التي تهدف الى تحجيم قدرات الحوثيين العسكرية ، استهدفت المقاتلات الأميركية نحو 13 موقعًا عسكريًا ومخازن أسلحة تابعة للحوثيين، وبحسب القيادة المركزية الأميركية، فإن هذه الضربات شملت مواقع قيادية استراتيجية، ومراكز اتصالات، ومنشآت إنتاج الطائرات المسيّرة والصواريخ.
لكن إلى أي مدى يمكن لهذه الضربات أن تغيّر قواعد اللعبة في اليمن؟
على صعيد الداخل اليمني، أدت الغارات الأميركية إلى تفاقم حالة التوتر داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. فإلى جانب القصف، شنت الجماعة حملة اعتقالات واسعة النطاق في صنعاء وصعدة، مستهدفة مواطنين يُشتبه في تعاونهم مع جهات خارجية. كما شددت الجماعة من إجراءاتها الأمنية، ما يعكس حجم القلق من وجود اختراقات داخلية قد تساهم في كشف مواقع حساسة.
و لا تخفي الاوساط اليمنية تخوفها من ان تؤدي الضربات الأميركية إلى خلق انقسامات داخلية في صفوف الجماعة في ظل استمرار قسوة العمليات الاميركية .
مع دخول الضربات يومها الحادي عشر دون مؤشرات على توقفها، يتزايد الحديث عن السيناريوهات المحتملة لمستقبل الصراع. فمن ناحية، يبدو أن واشنطن تهدف إلى إضعاف الحوثيين تمهيدًا لحل سياسي، لكن من ناحية أخرى، لا تزال الجماعة تمتلك قدرة على شن هجمات مضادة، سواء عبر استهداف السفن في البحر الأحمر أو التصعيد داخل الأراضي اليمنية.
وفي ظل هذه المعطيات، من الممكن ان تنجح الولايات المتحدة في فرض معادلة جديدة تجبر الحوثيين على تغيير استراتيجيتهم، خصوصًا إذا تم التأكد من مقتل عبدالملك الحوثي، ما سيسهم في تحجيم تأثير الجماعة اذا لم يكن هناك من قيادات أخرى قادرة على ملء الفراغ.
بكل تأكيد، الأيام والأسابيع القادمة ستكون حاسمة في تحديد المسار الذي سيسلكه هذا التصعيد العسكري، سواء باتجاه مزيد من العنف أو نحو فتح نوافذ للحوار والمفاوضات.