اليمن: أزمة نقدية في مناطق الحوثيين رغم طرح عملة جديدة
يعاني القطاع المصرفي اليمني في مناطق الحوثيين من أزمة سيولة حادة تزيد معاناة السكان وتلقي بظلالها على مختلف مناحي الحياة. وتفاقمت أزمة شح السيولة النقدية منذ مطلع إبريل/نيسان الجاري، على الرغم من طرح عملة نقدية جديدة للتداول في أوائل الشهر. وتأثر القطاع التجاري بشدة من أزمة شح السيولة وعدم القدرة على سحب المبالغ الكافية لإتمام المعاملات نتيجة عدم توفر السيولة لدى البنوك، ولا تقتصر التداعيات على الشركات بل تطاول الأفراد الذين يترددون على البنوك لفترات طويلة من أجل الحصول على جزء من مبالغهم المودعة.
وصلت تداعيات الأزمة أيضاً إلى رواتب موظفي المنظمات الدولية في اليمن، والتي كان يجري صرفها بالدولار. وقال محمد سعيد (34 عاماً)، الذي يعمل موظفاً في منظمة دولية، إنّ موظفي المنظمات العاملة في صنعاء يجدون صعوبة في الحصول على رواتبهم بالدولار. وأوضح سعيد لـ”العريي الجديد”، أن البنك المحلي الذي تتعامل معه المنظمة لا يستطيع توفير سيولة نقدية بالعملة الأجنبية لأكثر من 30 موظفاً في اليوم، وبقية الموظفين الذين يزيد عددهم عن 100 موظف يضطرون لقبض رواتبهم بالعملة السعودية أو بالريال اليمني.
تشير أزمة شح السيولة الحادة إلى الوضع الاقتصادي في اليمن، الذي وصل إلى مرحلة الانهيار، كما تشير إلى التداعيات الكارثية لحالة الانقسام النقدي والمصرفي بين مناطق الحوثيين في الشمال ومناطق الحكومة المعترف بها دولياً في جنوب البلاد والتي تتخذ من مدينة عدن عاصمة لها. ويعود الانقسام النقدي والمصرفي في اليمن إلى سبتمبر/أيلول 2016، عندما قررت الحكومة نقل البنك المركزي من صنعاء الخاضعة للحوثيين إلى عدن حيث مقر الحكومة الشرعية، فيما قرر الحوثيون الاحتفاظ بفرع البنك المركزي في صنعاء كبنك مركزي مستقل، ومنذ ذلك الحين، أصبح لدى البلاد بنكان مركزيان.
ولجأت الحكومة المعترف بها دولياً، منذ عام 2017، إلى طبع كميات كبيرة من النقود لتغطية العجز في الموازنة وتلبية نفقات الحكومة ودفع رواتب موظفيها، في المقابل قررت سلطات الحوثيين منع تداول النقود الجديدة في مناطقها، وهو ما تسبب في زيادة حدة الانقسام المالي والمصرفي في البلاد.
وأدى قرار الحوثيين منع تداول النقود الجديدة إلى إعادة كميات كبيرة من النقود التالفة إلى التداول، بعد أن كانت جاهزة لاتلافها، ما تسبب في ظهور أزمة سيولة نقدية استمرت في التفاقم عاماً تلو الآخر. وشهد مارس/ آذار الماضي تطوراً مثيراً، بعد إعلان البنك المركزي الذي يسيطر عليه الحوثيون في صنعاء عن تداول عملة معدنية جديدة بقيمة 100 ريال بدءاً من مطلع إبريل من دون الرجوع إلى الحكومة المعترف بها دولياً.
وكان مبرر جماعة الحوثي لإصدار العملة الجديدة هو معالجة مسألة الأوراق النقدية التالفة والتخفيف من أزمة شح السيولة النقدية، وقالت إن بإمكان المواطنين التوجه إلى مراكز النقد في صنعاء لاستبدال عملاتهم الورقية القديمة بالعملة المعدنية الجديدة.
وكشفت مصادر مصرفية لـ”العربي الجديد”، أن “الكمية المسكوكة كانت موجودة في مخازن البنك المركزي منذ 2014 وأنها مصنوعة من النيكل وبمواصفات رديئة يجعلها سهلة التزوير”. ووفقاً للمصادر، فإن العملة المعدنية الجديدة فشلت في معالجة مشكلة النقود التالفة، كما فشلت في التخفيف من أزمة شح السيولة النقدية التي تفاقمت أكثر منذ مطلع الشهر الجاري.
وحسب المصادر، فإن الكمية المسكوكة تراوح بين 250 و500 مليون ريال، وبالتالي لا تزيد عن 3% من إجمالي الكمية التالفة، حيث تبلغ كمية النقود التالفة من فئة 100 ريال نحو 12 مليار ريال، فيما يبلغ حجم النقود التالفة من فئة 250 ريال حوالى 20 مليار ريال.
وفتح البنك المركزي في صنعاء أبوابه لاستبدال النقود التالفة لمدة ثلاثة أيام، كانت كافية لاتخاذ قرار بالتوقف عن استبدال التالف والتأخر في طرح العملة المعدنية الجديدة للتداول أو طرحها بكميات قليلة على مراحل. وقالت مصادر مصرفية إن البنك الخاضع للحوثيين فوجئ بالإقبال الكثيف للمواطنين على استبدال النقود التالفة، ولجأ بعد يومين من الاستبدال إلى فرض شروط معقدة على استبدال النقود، منها أن تكون النقود التالفة ذات رقم تسلسلي واضح.
وفرضت سلطات الحوثيين على السكان التعامل بالنقود التالفة منذ نهاية عام 2017، خلافاً لقانون البنك المركزي، لكنها لجأت إلى قوانين البنك للخروج من مشكلة استبدال التالف. ويشترط قانون البنك لاستبدال النقود التالفة أو المقطوعة ضرورة اكتمال الورقة النقدية بشكل لا يخل برقم الإصدار الموجود على الورقة والرقم التسلسلي.
وقال الخبير المصرفي وحيد الفودعي لـ”العربي الجديد”، إن “فشل العملة المعدنية الجديدة في معالجة مشكلة النقود التالفة وحل أزمة السيولة يرجع إلى قلة المعروض من العملة الجديدة وفرض شروط معقدة على تبديل النقود التالفة”. وأكد مواطنون لـ”العربي الجديد”، أن العملة الجديدة لا توجد في أسواق صنعاء، والنقود التالفة ما زالت متوفرة بكثرة وحاضرة في التعاملات اليومية بعد شهر من الإعلان عن طرح العملة المعدنية الجديدة. وقال يحيى سالم إنه توجه إلى مقر البنك المركزي في صنعاء لاستبدال مبلغ عشرين ألف ريال من النقود التالفة فئة 100 ريال، لكنهم رفضوا استبدالها، مضيفا أن موظف البنك عرض عليه شراء مبلغ عشرين ألف ريال من العملة المعدنية مقابل عشرين ألف ريال من النقود السليمة وغير التالفة من فئتي 500 و1000 ريال.
واعتبر الخبير المصرفي أحمد مبارك بشير أن قيام سلطات الحوثيين بطرح عملة جديدة معدنية من فئة 100 ريال خطوة عدمية لن تحل مشكلة أزمة السيولة وتلف العملة، ولا تحقق الأهداف التي جرى صك هذه العملة لأجلها. وقال بشير لـ”العربي الجديد”: “تشير تقديرات اقتصادية إلى أن حجم العملة الورقية التالفة من فئتي 100 و250 ريالاً تقدر بخمسين مليار ريال، وبالتالي فإن العملة المعدنية التي يبلغ حجمها 250 مليون ريال لن تنجح في تغطية العجز في العملة الورقية”.
وأكد بشير ضرورة إنهاء الانقسام النقدي والمصرفي وإيجاد آلية لتوحيد مجلس إدارة البنك المركزي، وقال: “للوصول لهذه النقطة يتوقع تشكيل لجنة مكونة من الطرفين (إدارة البنك في عدن وصنعاء)، بينها ممثل عن جمعية البنوك وممثل عن الاتحاد العام للغرف وغرفة عدن وطرف مراقب من المجتمع المدني وطرف من المجتمع الدولي”. واقترح أن تفوض اللجنة بكل صلاحيات مجلس إدارة البنك، وكل قراراتها نافذة على إدارة البنك في عدن أو صنعاء، وأن تدرس الحلول وتضع ما يلزم حله للطرفين باستخدام الأدوات القانونية والسياسات المتاحة للبنك المركزي، ويهدف عملها لتوحيد السياسة المالية والنقدية.