باسم المرعبي- ناشر موقع رأي سياسي
على مسافة أربعة اشهر من موعد إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية والمحدد بعد تمديد قسري لمرتين، بدأت الشكوك تحوم حول هذا الاستحقاق وما اذا كان من الممكن انجازه في نهاية أيار المقبل، أم أن التطورات العسكرية في الجنوب، والمزاج السياسي غير المؤاتي ونتيجة الإنشطار الحاصل في ظل إنعدام أي معطى يؤشر الى إمكانية انتخاب رئيس للجمهورية في وقت قريب، ستضع الانتخابات هذه في مهب التأجيل، أو التمديد الثالث لعام اضافي أو أكثر.
حتى هذه اللحظة، وعلى الرغم من شروع وزارة الداخلية بإعداد العدة لإجراء الانتخابات ورصد الأموال اللازمة لذلك، فإن ما هو متوافر من معطيات يرجح كفة التأجيل، حتى ان القوى السياسية المعنية لا تولي هذا الاستحقاق الأهمية كونها على قناعة تامة بأن الإنتخابات لن تحصل وسيبقى القديم على قدمه، وأن المفاتيح الإنتخابية التابعة لهم ستبقى في الجيبة.
لكن السؤال الذي يطرح الى متى ستبقى البلديات من دون حسيب أو رقيب، فلا هيئات رقابية تقوم بدورها، ولا ديوان محاسبة يقوم بدوره لردع المفسدين ووضع حد للفساد؟
من المعلوم إنّ الـمدخل الـحقيقي للإنـماء هو فـي البلديات، وإن تـحقّق الإنـماء فـي البلديات أصبح الوطن كله نامياً، فالإصلاح يبدأ من البلديات، التـي ويا للأسف، فـي غالبيتـها عشعش فيها الفساد وتعاظم الـهدر والنهب والـمحسوبيات واستغلال النفوذ وإساءة إستعمال السلطة، بفعل الغطاء السياسي الحاصل والذي بفعله تخفى الملفات، وتوضع في الأدراج، لغايات سياسية حيث أن غالبية السياسيين يتعاملون مع رؤساء المجالس البلدية والمختارين على أنهم “مفاتيح إنتخابية”، وهذا ما يجعل البلديات مطية للزعامات، بدلا من أن تكون جسر عبور للانماء المناطقي.
من هنا فإنه من غير المأمول أن تقوم البلديات بدورها الفعلي والحقيقي ما لم يقوم التفتيش الـمركزي وديوان الـمحاسبة، والنائب العام الـمالـي، ووزارة الداخلية والبلديات بالدور المنوط بهم على هذا المستوى على قاعدة أن يكون الجميع تحت سقف القانون البلدي، الذي يجهل غالبية رؤساء البلدية، ما يتضمنه من نصوص تنير لهم الطريق على كيفية الإدارة الصحيحة بعيدا عن أي خروقات لهذا القانون، حيث أن العديد من البلديات تواجه تحديات كثيرة من حيث كفاءات الموظفين والمنتخبين المحليين، وتدريبهم وتوظيفهم. وحتى اليوم، لا يوجد مؤسسةٌ محددةٌ مكلّفةٌ بتدريبهم وبتنسيق عروض التدريب القائمة على المستوى الوطني وتنظيمها ومتابعتها، وطالما ان الوضع كذلك فان البلديات ستبقى فاقدة لدورها الأساسي، وفي المقابل تغيب الشفافية ليحل محلها الفساد والرشوة والزبائنية لهذا الزعيم أو ذاك.
وأمام هذا الواقع المرير للمجالس البلدية على مساحة لبنان، أن تلجأ وزارة الداخلية الى ما اعتمدته العديد من الدول لجهة تبني استراتيجية جديدة تقطع ما كان عليه في السابق بإنشاء هيئات متخصصة لمكافحة الفساد المحلي المرتبط بعدم النزاهة والشفافية وعدم الحرص على حماية المال العام، إذ أن إصلاح نظام الرقابة على البلديات يقتضي خضوعها لمختلف أشكال المساءلة والرقابة.
وعليه فإن وزارة الداخلية ومن منطلق السير على طريق الإصلاح، يتوجب عليها تعزيز الأجهزة الرقابية لمنع الفساد المتفشي ووضع حد للهدر والرشوة، لكي تتمكن البلديات من القيام بدورها الإنمائي بعيدا عن أية غايات سياسية أو شخصانية، وفي حال التلكؤ فهذا يعني أنه لن تقم للبلديات قيامة وتبقى العملية الإنمائية ناقصة أو حتى غائبة، وتصبح البلديات لزوم ما لا يلزم في بلد أحوج ما يكون للعمل الإنمائي والإاصلاحي الذي اصبح في قبضة السياسيين الذين يقومون بهذا الدور بما يتوافق والحفاظ على نفوذهم ومكاسبهم.