رأي

الولاية الثانية للرئيس سعيّد – أي آفاق تنتظر الشباب التونسي؟

كتب طارق القيزاني, في “DW” :

وسط مقاطعة واسعة من المعارضة وعزوف “جيل الألفية”، فاز الرئيس سعيّد بولاية ثانية من خمس سنوات، تأتي وسط نسب بطالة مرتفعة ومخاوف على الحقوق والحريات، دفعت آلاف الشباب للهجرة. فما الذي تحمله الولاية الجديدة للشباب التونسي؟

تشعر منيرة حامد بالإرهاق والانهاك الكامل بعد مشوار طويل من الكفاح خاضته من أجل الحصول على فرصة عمل، منذ تخرجها من الجامعة التونسية كمدرسة للفنون التشكيلية عام 2009، واليوم تعاني من مرض السكري ومن ضغوط الحياة اليومية.

قدمت منيرة في أغلب إعلانات التوظيف في موطنها بولاية قفصة جنوب تونس ولم توفق في الحصول على وظيفة، الأمر الذي دفعها للمشاركة في عدة اعتصامات أمام مقرات الولاية و”شركة فسفاط قفصة”، أكبر الشركات العمومية المشغلة في الجهة.

كما شاركت أيضا مع عشرات العاطلين عن العمل، من حاملي الشهادات العليا، في وقفات احتجاجية متكررة أمام مقر الحكومة في العاصمة ووزارة الطاقة ووزارة التشغيل، بسبب “ما تراه من محسوبية في التشغيل وافتقاد الحكومات المتعاقبة إلى خطط وبرامج لاحتواء العدد المتزايد للعاطلين اليائسين “. ومع ذلك لا ترى منيرة آفاقا واضحة حتى اليوم بعد استنزاف عدة سنوات من رصيدها المهني المفترض.

وكان أكبر طموحاتها أن يحدث الرئيس قيس بعد فوزه بولايته الأولى في 2019، تحولا في الواقع المؤلم الذي يرزح تحته عشرات الآلاف من العاطلين من خريجي الجامعات ومن طالت بطالتهم لأكثر من عقد، وهؤلاء كانوا من بين خزانه الانتخابي إلى جانب طلبة الجامعات والشباب.

وفي حديثها مع DW عربية تقول منيرة بيأس: “كنت أحلم يوما ما بأن أحمل حقيبتي وأذهب إلى المدرسة للتدريس. لكن لم تمنحنا الدولة أي فرصة. منحنا ثقتنا في قيس سعيّد وأردنا رجلا نظيفا ولا يسرقنا. نأمل أن يتلفت إلينا الآن”.

لا تعرف منيرة ما إذا كانت شهادتها الجامعية التي تحصلت عليها في 2009، تستجيب لسوق الشغل اليوم. ولكن لا يمكنها في كل الأحوال البقاء مكتوفة الأيدي مع احتياجها لأدوية مرض السكري المزمن ومعيشتها اليومية، لذلك تضطر للعمل في الحقول لزراعة الخضروات أو في مواسم الحصاد، وفق ما روته لـDW عربية.

وتقول منيرة بتنهيدة عميقة “إذا بقيت انتظر الدولة فسأموت جوعا. وضعي مزرٍ ولا يحتمل الانتظار كما أن الأدوية مفقودة”.

“البناء والتشييد”
تصدر شعار “البناء والتشييد” حملة الرئيس قيس سعيّد الفائز بولاية ثانية من خمس سنوات بنسبة فاقت 90 بالمئة من الأصوات وسط مقاطعة واسعة من المعارضة. ويقول شقيقه نوفل سعيّد، مدير حملته الانتخابية، إن النسبة تعكس منسوبا عاليا من الثقة في الرئيس سعيّد وتزيد من حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه.

ومع الشعار المرفوع عادت المطالب القديمة للشباب لتفعيل عدة وعود أو قرارات أُطلقت منذ الولاية الأولى. وفي حديثه مع DW عربية، يقول الشاب وائل الفالح وهو طالب وناشط بالمجتمع المدني وكان شارك في الاحتجاجات الشبابية قبل انتخابات 2024: “مرت خمس سنوات من حكم الرئيس سعيّد. لم يتحسن شيء ومستوى المعيشة يزداد تدهورا. هناك خيبة أمل كبيرة. الشغل والحرية التي نادينا بها في ثورة 2011 لم يتحققا على الأرض ولم يتغير شيء. ما يحصل هو عملية بيع للوهم”.

ومثل الآلاف من العاطلين، ومن بينهم دكاترة وحاملو شهادات ماجستير في عدة تخصصات، تنتظر منيرة حامد لسنوات تعميم قرار السلطة المتعلق بتشغيل فرد على الأقل من كل عائلة معوزة، رغم استجابة ملفها لجميع الشروط الاجتماعية المطلوبة.

كما بدأت السلطات عملية تمحيص لشهادات آلاف الموظفين في الإدارة، الذين جرى توظيفهم بعد 2011 وحتى عام 2021، بأمر من الرئيس سعيّد، بدعوى وجود ولاءات حزبية ومحسوبية خلفها، حسب تقديره. ولكن رغم الإعلان عن اكتشاف آلاف من الشهادات المزيفة في تقارير أولية للجنة المكلفة، إلا انه لم يتم ملء الوظائف الشاغرة أو منحها لمستحقيها من بين العاطلين.

ولا يبدو الأمر بتلك البساطة على أرض الواقع. ويوضح الخبير الاقتصادي فوزي عبد الرحمان الذي شغل سابقا منصب وزير التشغيل، في حديثة مع DW عربية أن فرص التشغيل تتوقف على قرار سابق بوقف الانتداب في الوظيفة العمومية بسبب أزمة السيولة في المالية العمومية وكتلة الأجور الضخمة مقارنة بالموازنة العامة للدولة.

وتابع الوزير السابق بالتفصيل: “عندما كنت وزيرا حاربت هذا القرار ولم يكن مقبولا سياسيا وأخلاقيا أن نمنع جيلا من أن يكون ممثلا في الوظيفة العمومية ومع ذلك يمكن ملاحظة أن الأزمة عميقة وتمس الحوكمة وحسن التصرف في الموارد البشرية في الإدارة”.

ويبرز على السطح تحديا آخر أمام حكومة الرئيس قيس سعيّد إذا ما أرادت أن تعول على القطاع الخاص المرتهن بنسب النمو الاقتصادي. ووفق الخبير توفر نقطة نمو في الاقتصاد التونسي في العادة ما يقارب 16 ألف فرصة عمل في حين أن الطلب على العمل في سوق الشغل يعادل سنويا ما بين 50 و 55 ألف طلب، وفي الوضع الاعتيادي تصل القدرة التشغيلية في أقصاها إلى 35 الف فرصة عمل.

ولا يتوقع وزير التشغيل السابق حدوث طفرة في التشغيل على المدى المتوسط لأن الاقتصاد سيكون بحاجة إلى نسبة نمو بين 4 و5 بالمئة، في حين أن تونس بعيدة عن هذه النسب منذ سنوات بسبب الأزمة الاقتصادية.

وفي عام 2023 لم يتجاوز نمو الاقتصاد نسبة 4ر0 بالمئة فيما راوحت تقريبا نسبة البطالة مكانها منذ سنوات ما بين 15 و16 بالمئة، علما بأن أحدث تقرير لعدد العاطلين يكشف عن حوالي 650 ألف عاطل من بينهم قرابة الثلث من حاملي الشهادات العليا.

ويعمل نظام قيس سعيّد على التسويق لفكرة “الشركات الأهلية” التي تعرض على الشباب المبادر كمشاريع صغرى بديلة لأزمة التشغيل لكنها لا تزال متعثرة وتواجه مشاكل في التمويل. ويقول عنها الخبير فوزي عبد الرحمان إنها مبادرة ترتبط بمشروع سياسي ولا تنضوي تحت المعايير الاقتصادية العلمية أو نموذج الاقتصاد التضامني والاجتماعي كما يجري التسويق لها.

عزوف جيل الألفية
وليس التحدي الإقتصادي وحده ما يثير قلق العاطلين من الشباب ونخبة التونسيين بشكل عام. فالفوز الساحق للرئيس سعيّد بنسبة أصوات تبلغ نحو 91 بالمائة، وهي نسبة لم يتم تسجيلها منذ بدء الانتقال السياسي والديمقراطي بعد ثورة 2011، جعل جزءً هاما من الشباب التونسي يعتقدون أنه لا توجد ضمانة فعلية للحقوق والحريات.

وهناك مؤشران على الأقل يلقيان الضوء على هذا الإنطباع، الأول أن الاحتجاجات التي خرجت إلى الشوارع قبيل الانتخابات الرئاسية قادها على الأرض في الأغلب شباب وطلاب الجامعات ضمن “شبكة الحقوق والحريات” التي تضم ائتلافا من منظمات المجتمع المدني وبعض الأحزاب المعارضة.

والأمر الثاني أن مشاركة الشباب من الناخبين المسجلين في سن ما بين 18 و35 عاما، لم تتجاوز 6 بالمئة في الانتخابات الرئاسية، ما يعكس حالة عزوف عامة. وهؤلاء أغلبهم من جيل الألفية الجديدة، الذي شهد فترات من الحكم الاستبدادي للرئيس الراحل زين العابدين بن علي قبل ثورة 2011 ومن ثم فترة الانتقال الديمقراطي قبل أن يحل الرئيس قيس سعيّد النظام السياسي في 2021 وتبدأ معه تونس حقبة جديدة من الحكم.

وقال الشاب وسيم حمادي وهو ناشط في ائتلاف “شبكة الحقوق والحريات” لـDW عربية: “المناخ السياسي في البلاد يشجع للأسف على العزوف عن الشأن العام في البلاد ويدفع الشباب إلى الإحجام عن المشاركة في الحياة السياسية والمدنية لأنه مناخ يطغى عليه الخوف والترهيب”.

وكانت السلطات قد أوقفت العشرات من المدونين والنشطاء والصحافيين في قضايا تتعلق أغلبها بحرية التعبير، بدعوى مخالفة مرسوم أصدره الرئيس قيس سعيّد في مرحلة “التدابير الاستثنائية” عام 2022 لتنظيم الجرائم المرتبطة بأنظمة الاتصال والمعلومات وما يتم نشره عبر شبكة الإنترنت. وتنظر له المعارضة والمنظمات الحقوقية على أنه سلاح لتعقب منتقدي السلطة.

هل الهجرة هي الحل؟
في ظل الانحسار المزدوج للآفاق الاقتصادية والسياسية لغالبية الشباب وضبابية المرحلة الحالية، تبرز الهجرة كطوق نجاة لقطاعات واسعة بحثا عن فرص أفضل للحياة.

ويقول الخبير الاقتصادي فوزي عبد الرحمان لـDW عربية: “مشاكل الاقتصاد التونسي تعود إلى عدة عقود. وفي العادة عندما تفشل أنظمة الحكم يؤدي ذلك إلى نسب عالية من البطالة. هنا تمثل الهجرة المنظمة حلّا مهما للكوادر التونسية لإيجاد فرص عمل”.

وفق بيانات المرصد الوطني للهجرة في تونس، فإن ما يقارب 30 ألف تونسي من بينهم خريجون في قطاعات الطب والهندسة يغادرون البلاد سنويا نحو دول الاتحاد الأوروبي بشكل خاص بحثا عن عروض عمل تستجيب لتطلعاتهم.

كما تشير نتائج دراسة ميدانية قام بها المرصد أن 65 بالمئة من المستجوبين من فئة الشباب يرغبون في الهجرة. وأوضح المرصد أن المؤشرات الأكثر إثارة للقلق هي أن حوالي 40 بالمئة من الشباب يفكرون في الهجرة حتى و إن كانت غير نظامية.

ووصل بالفعل نحو 6400 تونسي إلى سواحل ايطاليا ، التي تمثل البوابة الرئيسية لباقي دول الاتحاد الأوروبي، بين شهري يناير/ كانون الثاني وسبتمبر/ أيلول من عام 2024، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة.

وعلى العكس من هذه الموجة المتفاقمة للمغادرة يقول الشاب وسيم حمادي لـDW: “من اختاروا مغادرة البلاد لا يمكن لومهم لأن الوضع أصبح متردياً. ولكن أنا ضد الهجرة الجماعية للشباب. أنا مع البقاء في تونس للنضال بصوت حر”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى