رأي

الوضع في دارفور: من المواجهات إلى احتمالات التحالفات

كتب د. عبد المنعم همت في صحيفة العرب.

الإصرار على رفض المفاوضات وتوسيع نطاق الحرب يعززان خطر تصاعد الصراع إلى مستويات غير مسبوقة ويزيدان من احتمالية التدخل الدولي في الأزمة السودانية كرد فعل على محاولة الإخوان توسيع النزاع.

بعد أحداث 15 أبريل في السودان، التي شهدت تصاعد النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تغيرت الأوضاع بشكل كبير. في البداية، كانت بعض الحركات المسلحة في دارفور قد اتخذت موقف الحياد، مفضلة عدم الانخراط في الصراع. لكن الأمور تطورت بشكل دراماتيكي، حيث قررت هذه الحركات تشكيل تحالف عسكري جديد تحت مسمى “القوات المشتركة”، والتي سرعان ما تصدرت المشهد العسكري في دارفور وبدأت تدخل في معارك مع قوات الدعم السريع.

انسحاب الجيش السوداني من معظم المواقع وتحوله إلى وضع المتفرج كان لهما تأثير كبير على ديناميكيات الصراع. هذا الانسحاب أتاح للقوات المشتركة فرصة تعزيز مواقعها وتوسيع نفوذها، بينما سعت قيادة الجيش إلى استخدام هذا الفراغ الإستراتيجي لصالحها من خلال إشعال الفتنة بين المكونات الدارفورية المختلفة. هذه الإستراتيجية كانت تهدف إلى تخفيف الضغط على الولايات الأربع التي لا يزال الجيش موجودًا فيها بشكل محدود.

في خضم هذه التغيرات، كان هناك عنصر آخر يضيف تعقيدًا إلى المشهد: معظم قيادات وأعضاء التنظيم الإخواني، الذي كان له تأثير كبير في السياسة السودانية، يتواجدون حاليًا خارج البلاد. هؤلاء القادة لم يكتفوا بمراقبة الأحداث عن بعد بل شاركوا بشكل نشط في الحرب عبر البيانات والتوجيهات من خلال الوسائط الرقمية والإعلام. هذا الوضع أضاف طبقة إضافية من التعقيد، حيث تمكن الإخوان المسلمون من التأثير على الصراع عبر قنوات غير تقليدية، مما زاد من تعقيد الأوضاع في السودان.

احتمالات التفاوض تبقى قائمة في ظل هذا الوضع المعقد. قد تسعى الأطراف المختلفة إلى التوصل إلى تسوية سياسية للتخفيف من حدة النزاع وتأمين مصالحها

على الجانب الآخر، كانت قيادات الجيش السوداني مبعثرة بين قدراتها الحالية وطموحاتها في حكم السودان والقضاء على قوات الدعم السريع. هذا التباين بين الأهداف والقدرات أدى إلى ارتباك إستراتيجي، حيث حاول الجيش السوداني التوفيق بين الأهداف العسكرية البعيدة والتحديات الفورية على الأرض. هذا الارتباك ساهم في تعميق الفجوة في القيادة والتأثير، مما أثر على فاعلية الجيش في مواجهة الصراع.

في هذا السياق، كانت “كتائب البراء” التي تتبع التنظيم الإخواني تقوم بأعمال عسكرية نوعية في بقية أقاليم السودان، لكنها لم تشارك بشكل فعال في الصراع مع القوات المشتركة. هذا الوضع أضاف مزيدًا من التعقيد إلى المشهد العسكري، وخلق توترات داخلية بين الفصائل المسلحة.

أعرب أحد قادة القوات المشتركة عن استيائه من الوضع، حيث أشار إلى أن هناك محاولات لدفعهم للقتال بينما القادة السياسيون يتواجدون في الخارج. هذه الإستراتيجية، التي تعتمد على تحريض الصراع عن بعد، زادت من الاستياء داخل صفوف القوات المشتركة وأثارت تساؤلات حول الأجندات السياسية المخفية.

إضافة إلى ذلك، يبرز موقف التنظيم الإخواني المتشدد من رفض المفاوضات كعنصر رئيسي في تصاعد التوترات. تعكس هذه المواقف إصرار الإخوان المسلمين على توسيع دائرة الصراع، مما يفتح الباب أمام التدخل العسكري الدولي. هذا الإصرار على رفض المفاوضات وتوسيع نطاق الحرب يعزز من خطر تصاعد الصراع إلى مستويات غير مسبوقة، ويزيد من احتمالية التدخل الدولي في الأزمة السودانية. تدخلات دولية قد تأتي كرد فعل على محاولة الإخوان المسلمين لتوسيع النزاع، مما قد يؤثر بشكل كبير على مشهد الصراع ويعقد من جهود التسوية السياسية.

في ظل هذا الوضع المتأزم، يبرز احتمال ظهور تحالفات جديدة في المستقبل. من بين هذه الاحتمالات، هناك إمكانية قوية لبناء تحالف بين القوات المشتركة وقوات الدعم السريع. إذا تحقق هذا التحالف، فإنه من المرجح أن يؤدي إلى تغيير جذري في ميزان القوى، مما قد يجعل سقوط الولايات الأربع المتبقية أمرًا حتميًا. هذا السيناريو من شأنه أن يزيد من تعقيد المشهد العسكري ويضع ضغوطًا إضافية على الحكومة المركزية في بورتسودان.

تبقى احتمالات التفاوض قائمة في ظل هذا الوضع المعقد. قد تسعى الأطراف المختلفة إلى التوصل إلى تسوية سياسية للتخفيف من حدة النزاع وتأمين مصالحها. هذه التسويات قد تتطلب جهودًا مكثفة لتحقيق توازن بين القوى المتنازعة، لكن الوضع الحالي يجعل من الصعب التنبؤ بمسار العملية التفاوضية في ظل عدم الاستقرار السائد.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى