رأي

الوجه الآخر لحرب غزة

كتب رامي الخليفة العلي في صحيفة عكاظ.

قبل الحرب في غزة كان الانطباع السائد، على الأقل في الدول الغربية، بأن هنالك دولة يهودية هي الدولة الإسرائيلية تحاول أن تجد لها مكانا في منطقة الشرق الأوسط لذلك هي بحاجة إلى دعم من قبل الدول الغربية التي تعهدت هذه الدولة الوليدة حيث قامت بريطانيا العظمى قبل 100 عام بمنحها فلسطين لإقامة دولة للشعب اليهودي، متجاهلة أن هنالك شعباً آخر هو الشعب الفلسطيني، وهذه ليست فقط الرواية التاريخية وإنما الفكرة القائمة في العقل الجمعي لدى الدول الغربية أو حتى لدى شعوب العالم، لكن هذا التصور انتهى على امتداد الشهور الماضية، ومع سقوط المزيد من الضحايا وتحويل قطاع غزة إلى ركام وتحول الدول الغربية للدفاع عن إسرائيل، فأصبح الانطباع السائد بأن إسرائيل إنما تمثل ذراعاً غربية في قلب الشرق الأوسط، وفي اللحظة الحاسمة يهب الغرب كله لنجدتها. على امتداد الأسابيع الماضية سوقت تل أبيب بأنها الطرف المعتدى عليه ولكن لم تلبث أن تهاوت السردية الإسرائيلية أمام الصور التي تنقلها وسائل التواصل الاجتماعي على امتداد المعمورة، لدرجة دفعت صحيفة إسرائيلية هي هآرتس إلى الاعتراف بأن إسرائيل خسرت حرب وسائل التواصل الاجتماعي، بل إن الصورة الإسرائيلية في الدوائر الغربية المتمردة على المؤسسة الرسمية والتي نرى تجسيدها في الجامعات وفي مؤسسات تابعة للمجتمع المدني باتت تتجاوز بكثير مفردات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بل ومفردات الحرب في غزة، إلى اعتبار أن إسرائيل هي التمثيل الفاقع للغرب بكل تناقضاته وللرأسمالية بكل توحشها بل وحتى للتقنية بكل جبروتها، وهذا ما دفع أعضاء من الحزب الشيوعي الفرنسي إلى الوقوف في وجه أجهزة الأمن الفرنسية لمنعها من استخدام العنف في معهد العلوم السياسية التابع لجامعة السوربون في وسط العاصمة الفرنسية. من أروقة الأمم المتحدة إلى محكمة العدل الدولية مرورا بأرقى الجامعات على مستوى العالم سواء في كولومبيا أو غيرها تتجول الصورة الإسرائيلية المتوحشة لكي ترسم أفقا جديدا لا تهيمن فيه السردية الإسرائيلية، بل على العكس من ذلك، إسرائيل تخسر المعركة الإعلامية والإنسانية بل وحتى القانونية بالرغم من كل الدعم الغربي بشكل عام والأمريكي بوجه خاص. بكل تأكيد الكثير من حملة هذا الفكر المناهض لإسرائيل والذي نما وترعرع خلال الأسابيع الماضية ليس مؤيدا لحماس ولا لنهجها ولكنه يرى بأن المسألة تتجاوز حماس وكيفية رؤيتنا لها إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث نرى هدماً ممنهجاً لكل القيم التي حاولت المجموعة الدولية تطبيقها خلال السبعة عقود الماضية، إن من يخسر الوجوه الإنسانية والأخلاقية والقانونية لقضيته فهو سوف يخسرها حتى لو استطاع الانتصار فيها من الناحية العسكرية، بل إن أي انتصار عسكري لا يترجم إلى أرباح سياسية وقانونية هو انتصار لا معنى له، وهو ليس أكثر من مخاطبة الغرائز العدوانية لدى هذا الطرف أو ذاك. لعل الباب الموارب الأخير الذي ما زال كذلك أمام صانع القرار في تل أبيب هو المبادرة العربية التي أطلقتها المملكة العربية السعودية في قمة بيروت قبل عقدين من الزمن لأن ذلك هو الكفيل أن تعيش شعوب المنطقة بسلام جنباً إلى جنب.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى